الخرطوم: هبة علي
بعد عقود من حكم الديكتاتور ونظامه الذي استباح البلاد وساكينها، وارتكب في حقهم أبشع الجرائم والانتهاكات بحسب الثوار، خرج شباب السودان لإسقاط النظام، رافعين مبدأ العدالة ضمن المبادئ الثلاثة الرئيسية التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة، إلا أن الديكتاتور واجههم بالبطش والقتل، كما واجههم به في هبة سبتمبر من العام 2013، ضارباً بكل القيم الإنسانية عرض الحائط، ورغم أن الشباب استطاعوا بسلميتهم أن يسقطوه، إلا ان ما ينتظر الشباب كان مجموعة من الطغاة لم يرمش لهم جفن، وهم يقتلون ويسحلون شباب البلاد العُزَّل النابضين بالحياة وحب الوطن، ليولد ذلك الغبن في قلوب السودانيين، ويجعلهم يتمسكون بالعدالة التي ينتظر أن تتحقق في ما تبقى من الفترة الانتقالية، فما فرص تحققها وما شروطها؟.
تنكر للشباب
مجزرة فض اعتصام القيادة كانت بمثابة تنكر لشباب السودان عن دوره الطليعي في إزاحة رأس نظام الإنقاذ المخلوع عمر البشير، واقتلاع للسلطة من الشعب بقوة السلاح، بيد أن الشعب استطاع أن يقلب الموازين، ووقع على وثيقة اتفاق جاء في أبرز بنودها إنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية، بيد أن حكومة الثورة بقيادة الدكتور، عبد الله حمدوك، كانت بطيئة إزاء العديد من الملفات، ولم يكن ملف العدالة أوفر حظاً، بل لم تتم أي خطوة فعلية واضحة تجاه العدالة، رغم الكم الهائل من لجان التحقيق، ليأتي انقلاب الـ(25) من أكتوبر، ويقطع الطريق على الدولة المدنية بالكامل.
تحول ديمقراطي
قائد الانقلاب، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعد مراراً بتحقيق العدالة، ووجه بتشكيل لجان تحقيق، إلا أن مراقبين يرون أن ذلك لن يفضي إلى نتائج بسبب طبيعة الحكم.
ويمضي في ذلك الاتجاه القانوني المعز حضرة، بحديثه لـ(السوداني)، مؤكداً أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تتم في ظل نظام انقلابي، ويلزمها تحول ديمقراطي؛ لأن المبدأ الأساسي لنجاحها هو وجود مبدأ دولة حكم القانون، وتوفر مبدأ العدالة، والاعتراف بوجود مظالم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وجرائم ضد الإنسانية؛ الأمر الذي ينعدم في نظام الحكم العسكري.
وأشار حضرة إلى أن نجاح تحقيق العدالة يلزمه معرفة آليات التحقيق وفقاً للواقع المحلي؛ بسبب أن تحقيقها يختلف من دولة لأخرى، وما نجح في جنوب أفريقيا ورواندا قد لا ينجح في السودان، وما حدث في الغرب قد لا تتوفر ظروفه في السودان. وأضاف: “نحن محتاجون آلياتنا السودانية لتحقيق العدالة”. وتابع: “يمكن أن تتوفر فرص جيدة للعدالة إذا تم دحر هذا الانقلاب وأقيمت دولة مدنية، فوفقاً للوثيقة الدستورية كان هناك بند ينص على إنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية لمعالجة الأزمة، بيد أن الانقلاب أتى ليقطع قيامها، فضلاً عن ضعف حمدوك، وعدم رغبته في قيام المفوضيات، ولم تم قيامها كان من الممكن أن تغلق الباب أمام انقلاب (25) أكتوبر.
فرص النجاح
عضو فريق محامي الطوارئ المتخصص في الدفاع عن الثوار، إقبال أحمد، قالت فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية وفرص نجاحها، ولكل بلد ظروفها الخاصة بها، فالسودان وضعه معقد للغاية؛ بسبب أن جزءاً من الانتهاكات كان قبلياً، وآخر بيد السلطات الحكومية وجزء كان في نظام الإنقاذ، وآخر بعد ذهابه، إلا أن فرص النجاح في السودان أعلى بسبب الترابط الاجتماعي بين الشعب وروح العفو التي يتمتعون بها.
وشددت إقبال بحديثها لـ(السوداني) على أن العدالة الانتقالية تعتبر من أهم النقاط التي يفترض أن يتم العمل عليها لإعادة الحقوق للضحايا، قاطعة بأنها لا تعني المسامحة، بل تعني إرضاء الضحايا سواء بالمحاسبة أو بدفع الدية.
وأضافت: “نريد القالب السوداني الخاص به بحسب طبيعته من داخل المجتمع بالحكماء من الأعيان والإدرات الأهلية ، إلا أنه من المستحيل أن يتحقق ذلك في ظل النظام الحالي؛ لأن العدالة مربوطة بالتحول الديمقراطي الكامل”.
معالجة المجتمعات
مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة، الباقر مختار، قال: “لا ينبغي أن تأخذ أدوات العدالة بعين الاعتبار نطاق الجرائم المُرتكبة بحقّ الأفراد في منطقة معيّنة وأثرها فحسب، بل عليها أيضاً أن تعالج الأذى الذي لحق بمجتمعات بأسرها، وتبرز الحاجة إلى أصوات الناجين وعائلات الضحايا والمجتمع المدني ومنظّمات حقوق الإنسان كلّها للحرص على مصداقية عملية العدالة”.
وأشار عدلان، بمقال له على موقع المركز، إلى ضرورة أن ينخرط أصحاب المصلحة، هؤلاء منذ البداية لمدّ المبادرات الإقليمية بالمعلومات، وكسب ملكية العملية، لأنهم أفضل من يتحدّث عن الانتهاكات الخاصة بمجتمعاتهم، وكذلك عن تطلعات تلك المجنمعات للمستقبل.
انتهاكات عهد الإنقاذ
وكانت فترة حكم البشير الممتدة على ثلاثة عقود قد اتسمت بالعنف الجماعي، ولا سيّما ضدّ المجموعات المُهمّشة، فمن حرب أهلية بين العامَين 1983 و2005 حصدت ما يفوق مليونين من الأرواح، وأدّت إلى نزوح الملايين قسراً إلى الفظائع المُرتكبة في صراع دارفور في العام 2003، وصولاً إلى صراع العام 2011 في جبال النوبة والنيل الأزرق وفي جنوب كردفان، عانى الشعب السوداني خسارة ما بعدها خسارة، وعلى مرّ الصراعات والانتقالات المتعدّدة في البلاد، كان الاضطهاد واقعاً يومياً.
وأيضاً تعامل جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع المعارضين السياسيين بعنف، وبدون مواجهة أيّ عقاب، ولجأ إلى الاعتقال العشوائي، والإعدام بغير محاكمة، والتعذيب وغيرها من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.