يتحسَّر كثير من المواطنين على سُمعة العمل الدبلوماسي السودانية الذي فشل في تسويق السودان موارد وثروات وموقعًا استراتيجيًّا يؤهله إلى مناصفة العالم إنتاج غذائه، ويتأسفون على القوة والمهابة التي كانت تتمتع بها وزارة خارجيتنا، وعلى السفراء الذين كانوا ملء السَّمع والبصر وطنيةً ومهنيةً وفكرًا وثقافة وهيبة، وحققوا للوطن إنجازات مادية ومعنوية حافظت على استقلاليته وأمنه واستقراره عقودًا مديدة؛ بل وعلى نفعه لغيره إقليميًّا وعربيًّا، وذلك حين كان الانضمام للخارجية يعتمد على قياسات الفطنة والذكاء، والثقافة، والكياسة، والحيادية، وقوة الشخصية وكاريزميتها، بعكس ما يحدث حاليًّا حين تدخلت المحسوبيات والولاءات السياسية في تغيير خارطة المعايير والشروط المؤهلة إلى صعود عتبات سلالم الوزارة، ردَّة ملحوظة عن كفاءة السفراء، وتغاضٍ عن المؤهلات في الاختيار.
يُدافع أحد معاشيي الخارجية عن السفراء، ويؤكد أن فيهم الآن من هو على درجة عالية من الكفاءة العلمية والمهنية، وأن ثمة مآخذ على أدائهم الدبلوماسي؛ فإنما يرتبط ذلك بتعقيدات المشهد السياسي الداخلي شأن العمل العام عمومًا، الذي يشهد كبوة ربما تكون مُهلكة وقاصمة، ومن يعمد إلى نعي دبلوماسيتنا؛ فهو مُغالٍ بالتأكيد؛ لكن يبدو أن النشاط الدبلوماسي السوداني المُفعم بالحس الوطني إجمالًا؛ يُعاني الآن حالة كِساح قيَّدته عن تحقيق أي منفعة أو مصلحة للبلاد.
ويرى مخالفو هذا الرأي أن وظائف السفراء في كثير من الدول – كما يؤكد واقعنا الماثل – ظلت قاصرة على الجوانب الشرفية، ويرون أن علاقة السفراء برؤساء الدول التي يمثلون بلادهم فيها تنتهي بانتهاء مراسم تقديم أوراق اعتمادهم؟ ثم يتفرغون بعد ذلك إلى تنظيم حفلات إحياء المناسبات القومية والوطنية في بلدانهم، المصحوبة بمظاهر إسراف بذخي إكرامًا للزملاء سفراء الدول الأخرى، وعادة ما تُنظم هذه الحفلات بذريعة أو تحت مسوّغ الحصول على معلومات تهم أوطانهم.
يؤكد عد كبير من مراجعي سفاراتنا في الخارج أن معظم وظائفها الإدارية والإعلامية – إذا استثنينا النشاط القنصلي – يتسم أداؤها بقدر كبير من النمطية والبيروقراطية والمعاملات الفوقية؛ بما لا يتناسب مع متطلبات العمل الخارجي.
يعرض مفكر عربي شهير تجربته داخل أروقة العمل الدبلوماسي من خلال عمله ملحقًا ثقافيًّا لبلاده في عدد من الدول: “الغالب على لقاءات الدبلوماسيين التفاهة والحذر الشديد، والكلام الخالي من كل معنى، فأحاديثهم هي عن الجو، ومتى سيأخذ الواحد منهم إجازة، والملابس، وأحسن الأسعار لشراء السلع والألعاب الرياضية، وإذا سألت أحدهم عم مشكلة حادة في بلده تتناقل أخبارها الصحف والإذاعات؛ اكتفى بالقول: كل شيء يسير على أحسن وجه، ولا يوجد أي خلاف! ويؤكد في فقرة أخرى: “أرى أن لقاءات الدبلوماسيين في هذه الحفلات مجرد عبث لا طائل منه، لا تفيد أي فائدة في الحصول على معلومات كما يزعمون، ولا تُسهم في أي تحسين للعلاقات أو تقارب بين الدول، وأستطيع التأكيد على أنها لا تُسهم في حلِّ أي مشكلة مهما تكن بسيطة… ٩٩٪ من السفراء أجهزة تليفون أو سعاة بريد”.
مؤشرات التقصير تتضح في الضغط المتزايد على السودان من الخارج، والتدخل في الشأن الداخلي استصغارًا وتحديًّا و(قوة عين)، وتبرز كذلك في ضعف القدرة على التعامل بالمثل، إلى جانب الإخفاق في إعفاء ديون السودان، وفي اجتذاب رؤوس أموال للاستثمار في السودان، أو النجاح في استرداد أسواق المنتجات السودانية، وفتح أسواق جديدة إلا ما ندر.