ضَحُّوا من أجلها

حاطب ليل||د.عبداللطيف البوني

شارك الخبر

 

(1)

ثورة “ديسمبر – أبريل” المُستمرة إلى يومنا هذا، وضعت على رأس مطلوباتها الحرية, وأردفتها بالسلام والعدالة، فالحُرية تعني حُرية التعبير وحُرية التنظيم، ومن هاتين الحُريتين تخرج حُرية التظاهر والاحتجاج وتسيير المواكب والاعتصامات والإضرابات ورفع العرائض والمُذكّرات وكل ما يخطر على بالٍ، من تصرُّف احتجاجي، وجماع كل هذا يؤدي لقلب النظام الذي يمنع هذه الحُريات، ولكن بمُجرّد نجاح هذه السُّلوكيات السِّياسيَّة في قلب النظام وتصبح مُتوفِّرة وعلى قفا من يشيل كما هو حَادِثٌ الآن, يصبح الوضع مُختلفاً، فما كنت تفقده أصبحت الآن مالكاً له, عَليه تَصبح قمة الثورية أن تتنازل عن حق ملكته ضرب يمين وعرق جبين إذا اقتضت مصلحة الثورة ذلك، فالتّظاهر والاعتصام والإضراب اليوم لا يتطلّب أيِّ مخاطرة ولا يحتاج لأيِّ تضحية.

(2)

يبقى السُّؤال، لماذا التّنازُل عن حَقٍ أنت ناضلت من أجله وملكته بعد تضحياتٍ جسيمةٍ, استشهاد وجُروح وتعذيب ومُعتقلات؟ السبب بسيطٌ وهو أنّ هذه البلاد كانت تعيش في دوامة من المظالم، مظالم تكسر “ضهر فيل”، مظالم لا قِبَلَ لأيام الثورة القليلة ولا قُدرة لها على رَدِّها، فلو طَالَبَ الجميع برَد مَظلمتهم عامّة كانت أم خاصّة، في ذات اللحظة سوف تصبح بلاد الثورة عاجزةً، وتتفكّك آليات ضبطها، وتسُود الفوضى، ومن ثَمّ يظهر قاهرٌ جديدٌ ويُرحِّب به ذات الناس لأنّهم أصبحوا أمام خيارين، إمّا فقدان الأمن أو فقدان الحقوق، وسوف يقدمون الأمن دُون شك، لا بل الأمن الذاتي (يا رُوح ما بعدك روح)، لذلك لا بُدّ من التضحية ببعض الحُقُوق والعمل على أن تسترد البلاد أنفاسها ثُمّ ترجع الحُقُوق كاملةً غير مَنقوصةٍ، ولكن بالتّدرُّج فإذا صَبَرَ الناس ثلاثة عُقُود على المظالم دُون أملٍ، فلماذا لا يصبرون سنوات إضافية قليلة وهم يرون فجر الأمل يتنامى أمامهم وبأيديهم..؟
المثل الشعبي يقول: (الحاري كالمُتعشِّي) أي من ينتظر عشاء، مؤكّد مثله مثل الذي تعشى ونام..!

(3)

الدائرة الخبيثة التي تدور فيها بلادنا تتمثل حلقاتها في حكومة ليبرالية تفشل في إدارة البلاد يعقبها نظامٌ عسكريٌّ يتسلّط على رقاب الناس، فيثُور الناس عليه ويدخلون في فترةٍ انتقاليةٍ تعقبها ليبرالية هشّة، ولكن للأسف هذه المرة رغم تفرُّد هذه الثورة، إلا أنّ الهشاشة والتفلُّت بدأ في بداية الفترة الانتقالية، بدأ قبل أن تحسم الفترة الانتقالية شكلها، بدأ بتطاوُل الاعتصامات للضغط على العساكر ثم تمديد المواكب والتهديد بالعصيان المدني وعصيان البوليس أي والله عصيان البوليس عديل كدا هذا ما لم يحدث منذ 1951 حينما أضرب البوليس ضد المُستعمر (إذن المرة دي الحكاية بدأت من فُوق شديد) وأخذ للقانون باليد كما في حادثة صالة “قُرطبة” الفظيعة، وطرد كبار مسؤولي الخدمة المدنية بواسطة مرؤوسيهم كما حدث في مصلحة وقاية النباتات وغيرها، وإغلاق لمصافاة تكرير البترول بالجيلي لمدة من الزمن وهي شريان الحياة لأنّ أهالي المنطقة يُطالبون بـ(2%) من عائدها لجبر الأضرار البيئية، والاعتداء على مَقَار بعض شركات تعدين الذهب،وايقاف العمل في ميناء سواكن لمدة يوم كامل والاعتداء على الأراضي المُوزّعة في خُطط إسكانية، وهكذا كل من له مظلمة حقيقَة كانت أم مُتوهِّمة وعُمرها عشرات السنين، يُريد إزالتها اليوم قبل تشكيل الحكومة، فما بالكم عندما تَتَشَكّل الحكومة وتظهر لها مُعارضة سياسية؟ من المُؤكّد أنّ الإضرابات سوف تعم، والاعتصامات سوف تنتشر، والمواكب سوف تمور، والتظاهرات سوف تصبح أسهل من تناوُل حبة بنادول، سوف تتوقّف الحياة وتعم الفوضى، هذا إذا لم يزخ الرصاص وتلعلع الدوشكات وتدور الدائرة هذا إذا لم تتمزّق البلاد..!اللهم احفظ السودان واهل السودان

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.