كيف نُقلِّل من كلامنا؟

د. عبد الله إبراهيم علي أحمد
لماذا نَتَحَدّث؟ ببساطة لنتواصل مع الآخرين، وإذا وضعنا في الحسبان المهارات الرئيسية الأربعة وهي: القراءة والكتابة والتّحَدُّث والاستماع، لوجدنا مَهَارَة الاستماع يفتقرها البعض ولا يحسنون التّعامُل معها، والسُّؤال المطروح كيف نُقلِّل من كثرة الكلام؟ بالصَّمت والإصغاء للآخرين، فكثيراً ما نقاطع بعضنا البعض حين نتكلّم، والإنصات هو إحدى مهارات الاتّصال الفَعّال.
أحياناً البعض يَستعرض ويتكلّم كثيراً لجذب الانتباه وزيادة النُّفوذ والشُّعور بالتّميُّز لكسب حُب الناس أو تَعظيمهم، وليس القَصد أن نَمتنع عن الحَديث كليةً ونَصمت صَمتاً أبدياً، ولكنّ المقصود هنا التقليل من الكلام وعدم الثرثرة وصياغة ما نسمعه جيِّداً لنبني علاقات من خلال التّحَدُّث، فالكثيرون يفتقرون ثقافة الإصغاء الجيِّد إلى الآخرين.
ما أجمل أن نستمع أكثر من أن نَتَحدّث، فلقد خلق الله لنا أُذنين اثنتين ولساناً وَاحداً لنستمع أكثر للطرف الآخر ونَتحدّث أقل، فكُن مُستمعاً جيِّداً لتكون مُتحدِّثاً لبقاً، وبالصّمت نُعطي للطرف الآخر الفُرصة ليذكر ما يخفيه ويقول ما يُريده، أو يُعبِّر عَمّا يجيش بخاطره دُون مُقاطعةٍ، وعندما نصغي للطرف الآخر بإعطائه الفُرصة الكافية، فإنّنا بذلك نتعلّم الهُدُوء، وقد يكون في لغةِ الصّمتِ كلامٌ أبلغ، غير أنّ البعض لا يملك مهارة الإصغاء الجيِّد للآخرين، فالصمت شُعُورٌ فَريدٌ قد يُوصل ما عجز اللسان عن إيصاله، فبالإصغاء الجيِّد يكون الفهم وبه يكون التّعلُّم.
ولكوننا نحسن الاستماع إلى الآخرين، هذا يَعني أنّنا نحترمهم، وحتى نُمارس ثقافة الإنصات الجيد إلى الآخرين، علينا النظر في عين الشخص المُتحدِّث وإظهار الاهتمام بما يقوله، وأن نُعبِّر له بوجوهنا وابتساماتنا عَن كُلِّ ما هو إيجابيٌّ، وألا نتعجّل في إصدار حُكم على المُتحدِّث وعدم مُقاطعته وأن نجعله يشعر بالارتياح، حتى يحس المُتحدِّث أنّنا بالفعل نُريد الإصغاء إليه، إذن لنولِ ما يقوله الآخرون اهتماماً بالغاً، وألا نشغل بالنا بالتفكير بالرد على المُتَحَدِّث قبل أن يكمل حديثه وقبل أن نفهم ما يقوله فهماً كافياً، فلماذا لا نمنح من حولنا القليل من الهُدُوءِ والإنصات كي نصل إليهم ويصلوا إلينا؟ فقد أورثتنا التجارب وما أثبته علم النفس الاجتماعي، أن الاستماع الجَيِّد من أهم الأدوات الرئيسيّة للوصول إلى قُلُوب الآخرين والتّفاهُم المُثمر معهم.
الإصغاء الجيِّد هو الطريق إلى الحوار والنقاش الهَادف، وهو الأساس لفهم كيف يُفكِّر الآخرون وماذا يُريدون منا؟ بينما هو المنطلق الحقيقي للتّوصُّل إلى نقاطٍ مُحدّدةٍ مع الطرف الآخر.
فالإصغاء يتطلّب وعياً ويقظةً من المُستمع بما يقوله المُتحدِّث وليس التأكيد بالإيجاب، نُلاحظ جميعاً أنّ غياب قيمة الإصغاء ينتج عنها تدنٍ في الحوار وخلق الكثير من المشاكل، لأنّ فقدان هذه القيمة يعني فقدان القُدرة على التّواصُل بين الأفراد في المُجتمع، وفي بعض الأحيان نجد الذي يتحدّث لا يستمع اليه الآخرون، وإن فعل أحدهم فقد يكون شارد الذهن حتى إذا سألته عن مدى فهمه لما قيل، نجده إما ذكر آخر جملة قالها المُتحدِّث أو أنّه يُؤكِّد بالإيجاب على ما قيل، فَعَدم الإصغاء في تَقديري عَادة غير حَميدة غُرِست في البعض منذ صغرهم. فالإنسان الناجح هو الذي يُغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم، وإذا أردت أن تكون مُمِلاً فتحدّث في كل شيءٍ، لذلك الكلام كالدواء إن قلّلت منه نفع، حيث الإيجاز خلاصة الذكاء، فَإذا افتخر الناس بحُسن كلامهم، فافتخر أنت بحُسن صمتك، وإذا كان الكلام من فضّة فالسُّكوت من ذهبٍ، والصّمت فَنٌ عَظيمٌ من فُنُون الكَلام، وهو لغة العظماء، فعندما يغيب المنطق يرتفع الصراخ.
أخيراً… لنُقلِّل من الكلام الكثير ولنستمع أكثر مِمّا نتحدّث، ولتكن عندنا ثقافة الحوار ولنتقبّل النصح فسيعود علينا بالفائدة، وإذا نصحك شخصٌ بقسوةٍ فلا تُقاطعه بل استفد من مُلاحظته فقد يكون وراء قسوته حُبٌ عَميقٌ، ولا تكن كالذي كسر ساعة مُنَبِّه لم يكن لها ذنب إلا لأنّها أيقظته

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.