حين نلتقي أميمة عبد الله

حراس المتاريس.. كهربجية الظلمات

شارك الخبر

إن الشعوب وإن تطاول ليلها لا بد من الفجرآت
الشعوب لا تبني نفسها بالتناحر والتنافر والحروب والتخوين والنفَس الخبيث وعدم قبول الآخر المختلف 
ولو أن في التشابه خيراً لما خلقنا الله شعوباً وقبائل بل هي رحمة الاختلاف وضرورة القبول والتعايش.
طيلة العقود الثلاثة التي مضت كانوا يرددون في كل ميكروفون رتق النسيج الاجتماعي وذلك لتباعد مكونات المجتمع عن بعضها الذي ازداد عمقا على عمقه القديم، حتى اهترأت العبارة ذاتها وليس النسيج وحده، وصارت تنتقل بين الألسن باهتة بلا روح ولا قيمة، تنافرت البلد من بعضها ومشت بين أهلها العنصرية البغيضة وأصبحنا نصنف بعضنا بلون البشرة وملامح الوجه ونحدد طبقات المجتمع ودرجته تماشيا مع توزيع جغرافيا الإقليم والمدينة وكلنا في ذات الكفة لو أننا أحسنا النظر وكما أن القهر والظلم يؤذي النفوس والفقر يفقدها حتى إيمانها بالقدر فإن العنصرية تفرق الشعب الواحد وتجعله على شفا حفرة من الهلاك يكره بعضه ويقاتل بعضه وكأنما يريد القصاص للون جلده وفي ذات المرجل كنا نغلي كلنا بعمى بصيرة وبصر دون أن نعي أن الإنسانية قبل الدين وأنها تجمع الناس وإن تفرقت بهم الأديان والمذاهب 
لم تنقسم البلاد وحدها بل إن أبناءها غاضبوها بسبب العنصرية وترّفع بعضهم على الآخر وأعادت الجغرافيا ترتيب القرى وتوزيع الأراضي وفقا لذلك.
وسط كل ذلك الظلام تلمع نجمة، تضيء مساحة قليلة والنور يبدأ من الدمازين بلمعانٍ خافض يكاد لا يضئ ونجمة أخرى أكثر لمعانا من بلاد الحديد والنار والتاريخ المجيد، لتتعدد النجوم في سماء المدن، تتسع مساحة النور وتكبر، تربطها خيوط الأمل وأحلام العدل والسلام، ترتفع القلوب وتصحو الحناجر من جديد وينبض العقل صغير العمر رفيع الوعي عظيم الأحلام شجاع الخطى من شباب غضٍ أخضر كما أشجار الزيتون.
أشهر قليلة وتغطي النجوم سماء السودان كله وترفع سماء الحرية رويداٍ رويداً على عماد أولئك الشباب الجسور وتختلط الأصوات باليقين بالعرق بالطبول بالابتسامة والسماحة وصدق التوجه والقلب المفتوح تجاه الآخر، تمازج وتلاحم مدهش 
أي رحم أنجب هذه السماحة والشجاعة وقوة التحمل شبابٌ كالفوانيس المعلقة على سماء اعتصام شارع القيادة أعادوا للعبارة القديمة روحها، نسجوا خيوط الاختلاف في لوحةٍ سودانيةٍ خالصة، الخيام المتلاصقة ومكبرات الصوت وكلّ يقول كلامه بطريقته أمام خيمته وللمستمعين حرية الاختيار، تمارين قبول الآخر وحرية الرأي المسوؤلة وكلمات القلوب الصادقة.
وبكامل المحبة تجد نقاط التفتيش عند المداخل، يبتسمون معتذرين عن التفتيش لكنه لسلامتك وسلامة غيرك بل وبصوت عذب يرددون العبارة (ارفع يدك فوق والتفتيش بالذوق) وكلٌ منهم يغنيها بلهجته الخاصة ولسانه ويرقصها أمامك قبل التفتيش والأخلاق السمحة هي التي ترجح كفة الميزان.
إنها ظلمات العنصرية التي أضاءها جيل النور وفوانيس ومتاريس الاعتصام ومنهم من ارتقى إلى الملكوت الأعلى روحا مضيئةً بالخير والسماحة.
لا بد من سودان جديد يتخلق على أيديهم، سودان التنوع والثقافات المختلفة واللهجات المتنوعة وألوان البشرة المتدرجة، سودان الأمل الذي لن يلتفت للوراء أبدا ولن يعود 
إلى عهده الذي كان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.