نذر المواجهة الأمريكية الإيرانية.. السودان يستفيد

الخرطوم: محمد عبد العزيز

قرعت طبول الحرب في الخليج العربي لحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران وحلفائها، وهو ما سينعكس على المنطقة بأثرها خاصة السودان بثورته الوليدة التي تشهد تدخلات خارجية واضحة للعيان تسعى لتقرير مصير السودان، بفعل لعبة المحاور التي أدارها النظام السابق مما جعل السودان ساحة لمواجهات جيواستراتيجية توصف بأنها من أعقد الجبهات في المنطقة.

اندلاع الحرب
إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترى أن إيران لديها نوايا سيئة، وأن هناك استعدادات رصدت لشن هجوم محتمل على أهداف أمريكية بالرغم من أن التفاصيل التي جرى الكشف عنها قليلة.
ودفعت الولايات المتحدة بتعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وتعمل على تقليل أعداد موظفيها الدبلوماسيين غير الأساسيين في العراق، وتعيد النظر في خططها الحربية.
والرسالة إلى طهران واضحة، وهي أن أي هجوم على هدف أمريكي من أي مصدر، سواء كانت إيران أو أياً من حلفائها أو وكلائها الكثيرين في المنطقة، سيجابه برد عسكري ضخم.
في المقابل ترى إيران أن “صقور إيران” في الإدارة الأمريكية، من أمثال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أو وزير الدفاع مايك بومبيو، يسعون لإحداث تغيير في النظام في طهران، وإذا لم تفلح الدرجة القصوى من الضغوط الاقتصادية في القيام بذلك، فإنهم يعتقدون أن العمل العسكري غير مستبعد حسب الظروف.
الحقيقة في صراع الولايات المتحدة وإيران، أن ارتداداته ستشمل الشرق الأوسط خاصة في بلد مثل السودان.

تأثير المواجهة
يرى مراقبون أن نذر المواجهة الأمريكية الإيرانية قد تنعكس برداً وسلاماً على السودان وتجعله في ذيل اهتمامات دول الخليج التي تسعى للعب أدوار مركزية لتحديد مسار الثورة السودانية.
يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد مصطفى جامع إن هذه المواجهة أدت لانشغال الخليج عن السودان، ويضيف:”في الفترة الأولى كان هناك تركيز كبير على السودان وتطورات الأحداث فيه، لكن الآن أعطيت الأولوية لحالة التوتر التي تسود الخليج ونذر الحرب”.
المهتم بالشأن الخليجي عبد العظيم أبوبكر عبد الرازق يقول إن هذا التوتر من مصلحة السودان، ويضيف:” هذا التوتر في المنطقة سيشغل الخليج عن السودان”.
ويشير عبد الرازق إلى أنه وحينما أطيح بالبشير كانت الامارات والسعودية من الدول الأولى التي رحبت بالمجلس العسكري واعترفت به ودعمته حتى يمكنه الاستمرار في السلطة. والان الانتفاضة السودانية تشارف على تحقيق مطالبها بتشكيل حكومة مدنية انتقالية.
وليس بعيداً عما سبق يقول المحلل السياسي عمار عوض إن نذر الحرب بين إيران والولايات المتحدة ستلقي بظلالها على المشهد السياسي السوداني بطريقة غير مباشرة. عوض يلفت إلى أن الدول التي اعترفت بالمجلس العسكري هي السعودية والإمارات وتعهدتا بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي وفي حال نشوب حرب سينعكس ذلك على هذه المساعدات لأن أي حرب في الخليج بالضرورة تؤثر على تدخلات هذه الدول في بقية الإقليم واستطرد قائلاً “لكن بشكل شخصي استبعد أن يصل التوتر بين إيران والخليج إلى مرحلة الحرب المفتوحة”.

سباق أدوار
تراجع الدور الخليجي وانشغاله بالتوتر مع إيران أدى إلى نشاط إثيوبيا والاتحاد الإفريقي والأوروبي والولايات المتحدة في الملف السوداني للدفع باتجاه تشكيل سلطة انتقالية بقيادة مدنية في أسرع وقت ممكن، ووفقاً لوصفة تعرف بالربيع الإفريقي، وهي تختلف في سماتها عما حدث في الربيع العربي.
وصفة الربيع الإفريقي يغلب فيها الاستقرار والتنمية والأمن والديمقراطية التعددية وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على مصالح الولايات المتحدة والغرب في إيقاف تدفق المهاجرين أو الجماعات المتطرفة، فضلاً عن خلق مناخات مستقرة للمصالح والاستثمارات الغربية.
إثيوبيا التي تقود الحراك الإفريقي تخشى من انتقال الاستقطاب الخليجي لجوارها مما يتسبب في توتير الأوضاع في القرن الإفريقي لذلك تسعى لدعم انتقال السلطة للمدنيين بأقل حد من التدخل الإقليمي الخليجي.
أما الخارجية الأمريكية ظلت تربط تطور العلاقات مع الخرطوم بالإصلاحات في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يستلزم إجراء إصلاحات سياسية عميقة وذات مصداقية، خاصة أن الأزمة الحالية في جوهرها سياسية فيما تمثل الضائقة الاقتصادية مظهراً من مظاهر الأزمة، نتاجاً لسياسات النظام البائد حيث إن الإقصاء السياسي يتطلب بالضرورة إجراءات أمنية لا تتوافق مع حقوق الإنسان، يضاف لذلك تفرض على النظام ضرورة الحجر على حرية التعبير لتغطي على أي تجاوزات لحقوق الإنسان ولكنها بالضرورة تخلق بيئة خصبة للفساد ونهب الموارد، هذه الثنائية تستنزف موارد البلاد الاقتصادية وأي قروض أو إعانات دولية.
القائم بالأعمال الأمريكي السابق بالسودان البرتو فرنانديز يرى أن عدة أسباب تدعو للتفاؤل بشأن مآلات الأوضاع في السودان فخلافاً لبعض الدول العربية الأخرى التي شهدت انقلابات في السنوات الأخيرة يتمتع السودان بمجتمع مدني نابض بالحياة ومعارضة سياسية حية، وبِحُرية تعبير وصحافة مصانة تقليدياً، ومغتربين موهوبين يضمّون أصحاب رؤية على غرار الملياردير السوداني-البريطاني مو (محمد) إبراهيم.
ويشير فرنانديز في مقال صحفي لنقطة تتعلق بأن التظاهرات التي انطلقت في ديسمبر الماضي بقيادة جماعات المجتمع المدني على غرار “تجمّع المهنيين السودانيين” وسط تعاون حماسي من الشباب والنساء والفقراء في المدن بدلاً عن الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، فضلاً عن أن المشاركين في الأحداث كانوا من مناطق واسعة ولم ينحصروا في العاصمة فقط.
النقطة الثانية المتصلة بالقيادة – والحديث ما يزال لفرنانديز – تتصل بأن الضغوط الرامية إلى الإطاحة بالبشير من الجهات الفاعلة المحلية وليس من بعض “الأيادي الخفية” الأجنبية. وهناك سوابق تاريخية واعدة أيضاً – ففي عامي 1964 و 1985، أدّت التدخلات العسكرية إلى استعادة الحكم الديمقراطي إلى السودان (وإن كانت لفترة وجيزة)، وبالتالي من المحتمل أن يؤدّي التحرك العسكري الأخير إلى نتيجة جيدة وقد ينجح في كسر الحلقة الشريرة التي حكمت تاريخ السودان.
وشهدت واشنطن مطلع الأسبوع اجتماعاً بشأن السودان، وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، “تيبور ناجي” بعد لقائه مع ممثلين للاتحاد الإفريقي وإثيوبيا ودول الترويكا، غرد قائلاً: “رحبت بالشركاء الدبلوماسيين في واشنطن لمناقشة دعم الانتقال إلى حكومة مؤقتة بقيادة مدنية في السودان”.
والتزم ممثلون من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وإثيوبيا كرئيس للايقاد وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والنرويج بتنسيق الجهود لتشجيع المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن على حكومة مؤقتة بقيادة مدنية حقيقية ويعكس إرادة الشعب السوداني.
مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية أعلن ترحيبهم بالاتفاقات الأخيرة بين المجلس العسكري والحرية والتغيير بشأن المؤسسات الحاكمة الجديدة، وقال دعونا إلى الاستئناف الفوري للمحادثات وناقشنا سبل دعم وضع حكومة بقيادة مدنية، مؤكداً احترام الولايات المتحدة لقيادة الاتحاد الإفريقي، وقد عبر الحاضرون عن دعمهم الكامل لجهود الاتحاد الإفريقي بما يتماشى مع بيان مجلس السلام والأمن الصادر في 30 إبريل، بما في ذلك الموعد النهائي في 30 يونيو للانتقال إلى حكومة بقيادة مدنية. وأضاف أيضاً:” ناقشنا أيضًا طرق دعم الحكومة المؤقتة التي يقودها المدنيون لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية وبناء المؤسسات اللازمة لفترة انتقالية مستقرة تؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة في السودان، وتسهيل النمو والازدهار الاقتصادي”.
واعرب الاجتماع عن قلقه إزاء أعمال العنف الأخيرة التي وجهتها قوات الأمن ضد المتظاهرين واتفقنا على دعوة المجلس العسكري للسماح بالاحتجاجات السلمية ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف الأخيرة.
السفير البريطاني بالخرطوم عرفان صديق أشاد بمخرجات الاجتماع وعلق بقوله: “مناقشات مهمة تؤكد من جديد الإجماع الدولي على الحاجة إلى تشكيل سلطة انتقالية بقيادة مدنية في أسرع وقت ممكن، لا بديل لحشد الدعم الدولي…محادثات السودان يجب استئنافها فوراً.. المملكة المتحدة تشكر الولايات المتحدة لقيادتها هذا الجهد”.
خلاصة القول إن ضغوط دولية مكثفة تتكامل مع الضغط الشعبي تعمل على دفع المجلس العسكري وقوى للتوافق حول ترتيبات الفترة الانتقالية في أسرع وقت بشكل يفضي لقيام حكومة تقوم بإجراء إصلاحات سياسية عميقة وجذرية لقيام نظام ديمقراطي مستقر يحقق التنمية والاستقرار ويحترم حقوق الإنسان ولا يتسبب في زعزعة الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وصحيح أن التوتر الامريكي الإيراني قد لا يقود إلى حرب شاملة إلا أنه في المقابل قد يقلص من تأثير النفوذ الخليجي لصالح تغلب رؤية (الربيع الافريقي).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.