رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل لـ(حوار مفتوح): 1-2 بكري حسن صالح قال لي: (اضرب الفساد تحت الحزام)

حوار: ضياء الدين بلال

بجرأة وصراحة تحدث مبارك الفاضل عن مشاركته في نظام البشير قبل سقوطه، موضحا أهدافه ونواياه تجاهها، محملا علي عثمان محمد طه كل ما حدث في السودان بما في ذلك سقوط البشير.. كاشفا عن ملفين من ملفات الفساد سلمهما إلى اللجنة العسكرية السابقة بالمجلس العسكري.

•   هل توقعت سقوط الإنقاذ بهذه الطريقة؟

نعم كنت أتوقع ذلك، وكنت مركزا على الانقاسمات داخلها، فالوضع كان مشتتا بشكل كبير، وكانت هناك ثلاث مجموعات: مجموعة الرئيس ومجموعة مناهضة له، والمجموعة المستفيدة من النظام.. وكان واضحا أن الصراع محتدم بين هذه المجموعات، وكنت مراهنا على ذلك.. واستطعت قياس هذه المسألة عندما أصر بكري حسن صالح على مشاركتي معه.. فسأالته سنواجه مشكلة الفساد، وأانا لن أتخلى عن المواجهة، وذلك حتى لا أتسبب في إحراجك.. فقال لي: أنا بعد عمري هذا لا يمكنني السماح بالقول إنني حميت الفساد، بالتالي (اضرب تحت الحزام)، واعتبرتها ضوءا أخضر وإشارة مهمة لأنه طرف رئيسي في النظام.
• لكن ما هي أدواتك لمحاربة الفساد؟
وضعي في القطاع الاقتصادي يتيح لي إغلاق أبواب الفساد، كاستيراد القمح، والدقيق والبترول، والسكر، كلها مداخل للفساد.. ووجدت أن باخرة القمح عبر التمويل يأخذون فيها 12 مليون دولار، والبترول عبر التمويل يأخذون فيها 18 دولارا على البرميل.
• هل دخلت الحكومة لإضعافها أم إصلاحها؟
دخلنا بعد أن وقع نداء السودان خارطة الطريق، ووجدنا أن ثمة رعاية دولية وإقليمية للتحول الذي يحدث في الإنقاذ. ولو لاحظت نحن لم نشارك في الحوار الوطني ولكن وقعنا في الوثيقة عند الختام.. وعندما وقعت خارطة الطريق ونصت على أن الحوار الوطني مدخل للتحول في السودان، فقدرنا أن نحجز مكاننا في المعادلة.
• أي أن تحجزوا مقاعد في السلطة؟
لا.. نحجز مقاعد في عملية التغيير، وأن ندير معركته من الداخل.
• وهل كان ثبتت لك استحالة للإصلاح؟
المطلوب ذهاب عمر البشير، وما ثبت لنا أنه لا يريد أن يذهب، بعدما عدل الدستور وفرض قانون الانتخابات وكانت هذه نقطة فراق.
• أنت لم تفارق حتى أبعدوك؟
لا.. نحن في قانون الانتخابات كنت الوحيد الذي سجل اعتراضا مكتوبا وشفهيا في مجلس الوزراء أثناء الجلسة. وفي المجلس الوطني مع كتلة كبيرة انسحبنا رفضا لتعديل القانون، وهي كانت المرحلة الحاسمة لإنهاء الحوار الوطني.
• كان يفترض أن تتقدموا باستقالاتكم؟
المسألة هذه كانت في الطريق، والمسافة لم تكن ببعيدة من حل الحكومة، فالصراع احتدم بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية حول الصلاحيات، وأنا كنت جزءا من هذا الصراع لجهة أنني أصبحت متنفذا ووجدت صلاحيات وأتصرف فيما بتعلق بقضاياهم، ومطلع على أسرارهم.
• يقال إنك كنت تحرض بكري للانقلاب على البشير؟
لا أبدا.. لا لم أكن أتكلم معه، وللتاريخ بكري لم يحدثني إلا بعدما خرج من الحكومة، وأخبرني أن هؤلاء الجماعة مارسوا عليه ضغوطا كبيرة حيالي، فهذه مشكلة حقيقية بينهم. ولم أحرض بكري على الانقلاب على البشير، فقط كنا نتحدث عن قضايا الإصلاح.
• هل كان يمكن للفريق بكري أن يفعلها؟
كانت الفرصة متاحة له، لكنه بطبعه كان وفيا للعلاقة حتى غدر به البشير.
• هل كان ذلك بسبب علاقته بك؟
علاقتي به أحد الأسباب، بحكم أن هذه العلاقة خلقت شكوكا والسبب الثاني أنه أصبح بديلا للبشير في عيون المجتمع الدولي والإقليمي، وأصبح هناك حديث مع البشير أن يسلمه السلطة لفك العزلة حول السودان.

•   كيف شعرت أن البشير لا يرغب في وجودك بالسلطة؟

بعدما بدأ العمل في لجنة الاثنين التي كونها البشير، وأبعدني منها، وكان واضحا أنه يريد أن يتجاوزني بالرغم من أنني ممسك بالقطاع الاقتصادي وهذه القضايا تحت مسؤوليتي المباشرة، فأنشأ اللجنة وجاء بكل وزراء القطاع الاقتصادي ما عدا رئيس القطاع أبعده منها وكانت رسالة واضحة وتعاملت معها بشكل طبيعي ولم أتوقف عن العمل.
وبعد أن (لخبط) الاقتصاد، كنت أقول لبكري يمكننا معالجة كل ذلك.
وشكلت لجنة من قيادات القطاع الاقتصادي والمسؤولين في البنك المركزي وبقينا ثلاثة شهور لمعالجة وبحث المشاكل، وأتينا بخبراء وخرجت ببرنامج إسعافي وأودعناه في مجلس الوزراء لمناقشته وقمنا بتنوير أعضاء مجلس الوزراء.
وسألت بكري: هل سيسمح البشير بتنفيذ هذا البرنامج الإسعافي، فقال لي: من بينكم وبينه غيري؟ وطالما أنا فهي مسؤوليتي ولا تتدخلوا في الموضوع.. بهذا استطعت تحييد البشير من الجهاز التنفيذي وهذا الأمر خلق مشكلة بينه وبين بكري.
• هل كان بكري يثق فيك؟
نعم، لأنني كنت حذرا، وأتعامل معه بشفافية، ولا أعمل شيئا إلا بالرجوع إليه حتى لا تحدث شكوك، ولا يقول إنني شخص قادم ولديّ أجندة.
• لماذا يجد الكثيرون صعوبة في التعامل معك؟
بالعكس، أنا شخص واضح، إذا اتخذت موقف ضدك فأنا ضدك، وإذا كنت معك فأنا معك.. وإذا اختلفت معك سأكون واضحا في الاختلاف، لا شيء لديّ أخفيه في ذلك.
• توصف بأنك متآمر بطبعك؟
بالعكس، أنا مدرسة مختلفة عن السياسة التقليدية، فقط يخافون مني لأنني مباشر وأواجه، ولا أخشى في المواجهة، ويمكن أن أواجه مواجهة شاملة إذا اختلفنا، وهذا غير موجود، فالسياسيون “يتدافنون” ولا يواجهون.
• لكن المواجهة أفقدتك الكثير؟
يمكن القول إنها أفقدتني وأكسبتني أيضاً، فالسياسيون السودانيون لا يحبون الشخص القوي بل الضعيف أو من يتخذ القرار ويأخذ موقف.
فتجربتي في التجمع الوطني الديمقراطي أفادتني، وأكبر أعدائي الحزب الشيوعي السوداني عندما هزمته وحققت إنجازات كبيرة في اتفاق شقدوم ومع أسياس أفورقي، واتفاق مع مولانا محمد عثمان الميرغني، كانوا هم من رشحوني أميناً عاماً للتجمع الوطني الديمقراطي.
• أنت صراعي وتدير الصراعات بطريقة مفتوحة؟
السياسة تريد ذلك، تريد الفعل وهو ما يحتاج إلى تقدم الذي يحتاج بدوره إلى المواجهة والدبلوماسية والسياسة، بحيث يكون لكل حادثة حديث والشخصية الفاعلة يجب أن تستخدم أي سلاح.
• آخرون يرون أن مبارك الفاضل فقد ثقة الجميع، المجلس يتعامل معك بحذر، وقوى التغيير لا تريدك، فأصبحت وحيداً في الملعب؟
أبدا.. أنا اخترت أن لا أكون ضمن التحالفات، فبعد التجربة في التجمع الوطني الديمقراطي والإجماع الوطني وتحالف الفجر الجديد، وصلت إلى قناعة أن هذه التحالفات ليست لها أي فائدة لأن الحلفاء بحكم طبيعة السياسة السودانية طبيعتهم تنافسية وغيرة عالية جداً وعدم موضوعية، بل ربما يعملون على عرقلة بعضهم البعض وهو ما يتعارض مع فكرة التحالف لذا اتخذت خطا سياسيا بالتنسيق فقط، لكن التحالفات تعيق الحركة ولا توصل لهدف لأن الأطراف الأخرى تكون متوجسة من قدراتك وتحركاتك.
• هناك اتفاق على مقدراتك السياسية لكن بلا سند سياسي، أي مقدرات ذاتية فقط وليست رصيداً سياسياً؟
لا أعتقد ذلك، نحن لدينا مكانة كبيرة في أوساط جماهير حزب الأمة والأنصار وعموم البلد.. من خلال نظر الناس للفراغ في السياسة السودانية والضعف الموجود فيها وعدم القدرة على الفعل وعدم معرفة القضايا توفر لديهم تأييد كبير لي وليس لديّ أي مشكلة في وجود قاعدة.
وفي اعتقادي نستطيع نحن كحزب أمة وأنصار أن نأخذ معنا الكثير من المحايدين، وأنا لم أكن لأكون بهذه الصورة لو لم أكن أشعر بقاعدتي وسندي.
• في فترة مشاركتك كنت تدافع بقوة وشراسة عن أسوأ ميزانية وترتّبت عليها الأزمات الاقتصادية اللاحقة كلها؟
الميزانية في الأصل حساب وارد ومنصرف، وهي سياسات بنيت على الإنتاج، لذلك استطعنا إنجاح موسمين زراعيين، خاصة في القمح، حيث قمت بتحفيز المزارع لينتج كميات وفيرة.
لكن هذه المسألة شهدت أيضا صراعا داخلياً مع الإنقاذيين الفاسدين لأنهم ضد السياسات التي اتخذناها بإيقاف استيراد الدقيق الذي كانوا يجدون من ورائه أموالا ضخمة، والفرق بين الدقيق والقمح 100 دولار، وهم كانوا يستوردوا الدقيق ويستفيدون من هذه الأموال. حظرنا الاستيراد المفتوح للسكر وهذه الاجراءات كانت موجهة لهؤلاء الذين عملوا ضد بكري وحكومته وعملوا على إسقاطها وسعوا بذلك لإفشال الميزانية، ودفعوا في صحفهم للكتابة عن إلغاء الميزانية التي هي بالأصل قانون لا يمكن أن يسقط إلا بتغيير القانون.
بالتالي الميزانية كانت جزءا من الصراع، لذا اضطررت لقول هذا الحديث لمواجهة هذا الصراع، وقلت في مجلس الوزراء إن الحكومة تعرضت إلى كمين من الإنقاذيين حيث رفعوا الدولار بين يوم وليلة من 20 إلى 45 جنيها وهذا لا يحدث بشهادة تجار دولار، إنه لا يمكن أن يرتفع 120% في فترة وجيزة مثل هذه.
• هؤلاء الإنقاذيون أنت كنت تعمل معهم، فكيف تعمل معهم وتكون عدوهم؟
أنا لم أعمل معهم، بل جئت في إطار اتفاق حوار وطني لنقل البلد إلى مرحلة أخرى، لذا تسمت بحكومة الوفاق الوطني، وارتضيت أن أعمل في الإصلاح في سبيل أن يتخلى البشير عن السلطة في 2020م، وفي هذه المرحلة نعمل على قانون الانتخابات ونقلل شر هؤلاء القوم عبر الانتخابات.. بالتالي الصراع فيما بينهم فجر الوضع الاقتصادي ورفعوا الدولار لأنهم استهدفوا بكري بأي طريقة، وكانوا يريدون المجيء بعوض الجاز واتفقوا على ذلك، وبدلا عن معتز موسى كان المفترض أن يكون الجاز رئيسا للوزراء وعلي عثمان نائبا أول، أي تعود المجموعة القديمة. لكن البشير (لاوز) من هذه المسألة، وجاء بمعتز ولم يمض في الاتفاق الذي تم بينهم.. ما أريد قوله إننا واجهنا صراعا داخل الإنقاذ، والاقتصاد أصبح أحد ضحايا هذا الصراع وأنا شخصياً كنت في جانب أحاول الدفع بسياسات صحيحة وأوضاع صحيحة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.