خطة الـ(200) يوم.. تحديات في الطريق

الخرطوم: القسم السياسي

تباينت ردود فعل السودانيين بخصوص خطة المائتي يوم التي أعلنتها أول حكومة بعد الثورة، ففي حين وصفها البعض بأنها بداية صحيحة لمعالجة مشكلات البلاد، قابلها البعض الآخر بإشفاق، معتبرين في تقرير نشرته الجزيرة أن البلد الذي أنهكته الحرب لعقود يواجه عثرات قوية لا يمكن التنبؤ بتجاوزها خلال سنوات ناهيك عن مائتي يوم.

أولويات الخطة
وفي أول اجتماع له الثلاثاء قرر مجلس الوزراء تنفيذ عشر أولويات خلال المائتي يوم الأولى من عمر الحكومة الانتقالية، تضمنت ملفات مهمة على رأسها تحقيق السلام وإيقاف الحرب ومعالجة الأزمة الاقتصادية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات ومكافحة الفساد مع تبني سياسة خارجية متوازنة.
وأوجز وزير الإعلام فيصل محمد صالح بحسب (الجزيرة نت) الملفات العشرة في تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بشأن مجزرة فض اعتصام القيادة العامة خلال أقل من شهر، والتحضير للمؤتمر الدستوري، ومكافحة الفساد، وفك الأموال المجمدة لتسيير دولاب العمل، مع العمل على إنهاء الحرب ومعالجة الأزمة الاقتصادية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، بجانب سبل تحقيق العدالة الانتقالية ووضع سياسة خارجية متوازنة.
وإضافة إلى ذلك، ستعمل الحكومة على ضمان تعزيز حقوق النساء واتخاذ إجراءات لضمان مشاركتها فعليا وإصلاح أجهزة الدولة وعلاقة المركز بالولايات لضمان استقلاليتها وقومتيها لتؤدي عملها بشكل جيد، مع مراعاة موضوع الكفاءة والتأهيل.

نجاح محدود
ويرى د.بشير آدم رحمة نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومة الانتقالية بمقدورها إنجاز بعض هذه القضايا بنجاح وبينها طي صفحة الحرب وتحقيق السلام بجانب إتاحة الحريات بإلغاء القوانين المقيدة، وهو ما بدأ فعليا بتحجيم صلاحيات جهاز المخابرات والحد من تدخلاته القتالية بحصرها في يد الجيش وقوات الدعم السريع وأن يكون دور الجهاز محصورا في جمع المعلومات.
في المقابل يقول د.رحمة إن الحديث عن معالجة الأزمة الاقتصادية خلال ستة أو سبعة أشهر يبدو ضربا من المستحيل. ويشير في هذا السياق إلى تصريحات لوزير التجارة قال فيها إنهم يتجهون لإيقاف صادر أي مواد خام مما يعني ضرورة توفير بدائل للتعامل مع ذلك، وهو ما يحتاج وفقا لقوله مدة لا تقل عن ثلاثة إلى أربعة أعوام، علاوة على حزمة من العوامل الاقتصادية الضاغطة المرتبطة باكتظاظ المدن مما يجعل هناك تحديات جسيمة في توفير الخدمات الصحية وغيرها.
ويشير أيضا إلى أن حالة عدم الانسجام بين مكونات عناصر الحكومة الذين يعودون لخلفيات قومية عربية أو ليبرالية وغيرها من تقاطعات فكرية ستكون حائلا أمام الاتفاق على علاقات خارجية متوازنة، لا سيما في محور التطبيع مع إسرائيل والتعامل مع سياسة المحاور في المنطقة.
ويلفت إلى نقطة يعتبرها في غاية الأهمية وهي ضرورة توافر ميزانية ضخمة لتنفيذ هذه الخطة، وهو الأمر الغامض حتى اللحظة، فالحكومة -كما يقول- أعلنت في عهد المجلس العسكري (المنحل) حصولها على خمسمائة مليون دولار من السعودية والإمارات كوديعة قيل إنها وضعت في بنك السودان، لكن لا يوجد تمويل معلن من أي جهة لمعاونة النظام الانتقالي الجديد. ويتابع: “إذا لم تنجح هذه الخطة في وقتها فإن الإحباط سيكون مضاعفا”.
ومن جهته يرى الناشط الحقوقي خضر عطا المنان، أن تحقيق الانسجام بين أركان السلطة الانتقالية هو الهدف الذي تنطلق منه مساعي إصلاح الدولة.
ويقرأ خطة الحكومة العاجلة للإصلاح بأنها تتلخص في “معالجة الأزمة الاقتصادية لأن حل أزمة المعاش مطلب الشارع الأول، كما أن الحكومة ستسعى لإعادة السودان إلى حظيرة المجتمع الدولي دون الخضوع لإملاءات خارجية، وستولي اهتماماً خاصاً بشريحة الشباب والمرأة لأجل المحافظة على جذوة الثورة”.

بداية التخبط
أما القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي علي السيد، فلا يتردد في وصف إعلان خطة المائتي يوم بأنه “بداية متخبطة” خاصة أن “الإعلان السياسي” ووثائق قوى الحرية والتغيير تحدثت عن إيلاء السلام أهمية وأولوية قصوى خلال الستة أشهر الأولى، وما لبثوا أن أضافوا إليه تسعة ملفات أخرى مما يعني “التخبط والعمل دون دراسة ومنهج”.
ويقول أيضا للجزيرة نت: “الأوفق كان ترك كل وزارة لتقوم بما يناسب وضعها، خاصة في ظل وجود الدولة العميقة (أنصار النظام السابق) التي ستنشط بكل الاتجاهات لعرقلة أي نجاح، وبالتالي تأكيد بداية الوهن وسط الحكومة الانتقالية”.
ويتابع السيد: “الملفات العشرة المحددة تتطلب في المقام الأول العمل على تفكيك الدولة العميقة، وهذا يصعب تحقيقه في مائتي يوم”.

أفكار شخصية
ويذهب الصحفي والمحلل السياسي د.خالد التيجاني في ذات الاتجاه مشككا في نجاح خطة المائتي يوم، ويقول للجزيرة نت إنها انعكاس جلي لحالة اضطراب وعدم فهم للواقع بسبب نقصان خبرة القائمين على الحكم في شكله الجديد.
ويؤكد أن ما يثار عن خطط وبرامج -في الواقع – ليست رأي الدولة بقدر ما هي رؤية أشخاص تبرعوا بإذاعتها لأجهزة الإعلام، فهي حتى الآن لم تطرح كبرامج تفصيلية باعتمادات مالية، كما أنها لم تجز من الهيئة التشريعية التي لا يعرف أوان تشكيلها مما يجعل الأمر الخاص بالإجازة في يد مجلس السيادة.
ومن جهتها ترى الصحفية درة قمبو أن أولويات الحكومة حُددت بعناية، وتأتي عملية إصلاح الخدمة المدنية في مقدمة تلك الأولويات إلى جانب إنجاز السلام مع القوى التي تحمل السلاح في أطراف السودان.
وتشير بهذا الصدد لما أدلى به رئيس الوزراء -بعد إعلانه التشكيل الوزاري- أنه من الممكن توسيع عضوية مجلس السيادة “مما يعني أن الخرطوم ستشهد قريباً تسكين قادة الحركات المسلحة ومرشيحهم في مناصب دستورية”.
وتقول قمبو إن هناك “نقطة ضعف” في خطة الحكومة “إذ إنها على ما يبدو قررت مواجهة بقايا النظام القديم بترتيبات هادئة”. ولكنها تحذر من نتائج سالبة لهذا النهج “مع دولة عميقة مثل التي خلفها حزب المؤتمر الوطني”.
وينتقد أستاذ الاقتصاد د.مهدي إسماعيل منهجية الحكومة في معالجة أزمة الاقتصاد “لأنها تنطلق من ورقة سياسات نشرها وزير المالية إبراهيم البدوي قبل تعيينه رسمياً”.
ويصف تلك الورقة بأنها “محشوة بالمصطلحات الاقتصادية” ولا تقدم حلولا واضحة وصريحة لأزمات الاقتصاد الراهنة كالسيولة وفوضى الأسعار وارتفاعها وتدني الأجور.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.