إليكم … الطاهر ساتي

الجيلي نموذجاً..!!

شارك الخبر

:: صباح الأمس، وللمرة الثانية منذ بداية الخريف، كنت بالمناطق التي تأثرت بالسيول والأمطار بشمال الخرطوم .. بدعوة من نادي الهلال، رافقنا رئيس وبعض أعضاء النادي إلى مناطق الجيلي التي تأثرت بسيول وأمطار هذا العام .. والحمد لله، لقد تجاوز الأهل بالمناطق المنكوبة الصدمة، وشرعوا في إعادة حياتهم كما كانت .. لقد استقبلوا الوفد بالحشود بحي ( الجيلي الزبير) .. وتبرع لهم الدكتور أشرف سيد أحمد الكاردينال بما طالبوا به عبر لجنتهم .. تأهيل مستشفى الجيلي ومدرسة أساس والساحة الرياضية، ثم بناء غُرفة بكل منزل انهار..!!
:: لقد أسعدهم هذا التبرع، فالبعض لا يزال في ( الخيم) .. والشاهد أن عطاء الهلال – في عهد الكاردينال – تجاوز ضيق الملاعب إلى رحاب الوطن.. ومن مكارم الأخلاق أن نقول لمن أحسن للناس والحياة (أحسنت).. وعلى سبيل المثال، كان أشرف قد تبرع بمستشفى للنساء والتوليد بكادوقلي، ومراكز لغسيل الكلى بالأبيض والجنينة، وأحدث غرف العناية المركزة بعطبرة وكذلك مستشفى للأطفال مجهولي الأبوين، ثم مراكز للكلى والسرطان ببورتسودان ونيالا، ولم يغب عن نفرة أهل كردفان..و..و..أينما لعب الهلال، ترك أشرف أثراً طيباً في نفوس الناس..!!
:: وبجوار قرية الجيلي الزبير قرى أخرى ( متناثرة)، وبذات الحال المأساوي .. وعندما سألتهم عن مرافقهم الصحية، تجلى عجز النظام الصحي في بلادنا عن تأسيس نظم العلاج والهرم المطلوب، بحيث لا يموت المواطن بخفاء أو يتكبد مشاق الرحلة الطويلة باحثاً عن العلاج .. بالدول ذات النظم الصحية الواعية فإن الأصل في تقديم الخدمة العلاجية للمواطن يتمثل في عنصري (الزمن والتدرج).. أي عند إصابة المواطن بأي طارئ أو عند شعوره بأعراض المرض، فإن أولى محطات رحلة العلاج هي أقرب (مركز صحي)، وليس المستشفى.. !!
:: ولأن عنصر الزمن أهم عوامل العلاج، يتم توزيع المراكز الصحية في المدن والأرياف بحيث يكون طبيب الأسرة قريباً للمواطن.. وبالمركز الصحي، قد يتم علاج المريض أو تُجرى له الإسعافات الأولية ثم يتم تحويله إلى ( مستشفى ثانوي).. وبالمستشفى الثانوي، عبر الاستشاري، قد يتم العلاج أو يُحول إلى ( المستشفى المرجعي).. هكذا مراحل العلاج في الدول ذات النظم الصحية الواعية.. فالرهان دوماً على ( الزمن والتدرج).. مركز صحي ثم مستشفى ثانوي، ثم عند الضرورة مستشفى مرجعي.. !!
:: ولكن في بلادنا – كما قال أهل قرى – عند التعرض لحادث أو بمجرد الشعور بعرض من الأعراض، نفكر في الوصول بالمريض إلى المستشفى مباشرة .. ولذلك تكتظ المشافي بكتائب المرضى وفيالق المرافقين.. ولو كانت خارطة البلد العلاجية كما الخارطة العلاجية بالدول ذات النظم الصحية الواعية، لما كان حال المشافي بكل هذا (الزحام والتكدس).. توفير الخدمات في المحليات والوحدات والأحياء – بمختلف مستويات الخارطة الصحية العلمية – كان يجب أن يصبح هماً يؤرق المضاجع ..!!
:: وناهيكم عن أصقاع السودان وأريافها التي لم تعد حتى تحلم بها، بل حتى في عاصمة البلد، وقرى الجيلي نموذجاً، فالمراكز الصحية بالأحياء – إن وُجدت طبعاً – فهي مجرد جُدران بلا معدات وكوادر .. بالمركز الصحي، كان يجب أن يكون مع كادر التمريض طبيب الأُسرة، وهذا التخصص مهمش في بلادنا .. وكان يجب أن تكون كل عدة وأجهزة الرعاية والإسعافات الأولية، وقبل كل هذا كان يجب أن يكون بالمركز الصحي لكل حي أو قرية (سجل مرضى).. فالمهام التي تنتظر الدكتور أكرم التوم وزير وزارة الصحة الاتحادية (صعبة)، ولكنها ليست مستحيلة ..!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.