العين الثالثة || ضياء الدين بلال

خطابٌ مُسرَّب!

شارك الخبر

-١-
خطابٌ مُسرَّبٌ من مكتب وزير شؤون مجلس الوزراء، السفير عمر بشير مانيس، يُوجِّه فيه الوحدات الحكومية بعدم الاستغناء عن أيِّ مُوظَّفٍ قبل ترشيح بديلٍ له، مع إرفاق سيرته الذاتية.
الواضح من نص الخطاب، أن السلطة العُليا في الجهاز التنفيذي، انتبهَتْ لخطورة صدور قرارات استغناء عن مسؤولين دون توفير بدائل!
هذه انتباهةٌ جيِّدةٌ ومُهمَّة، ولكن كان الأوفق والأعدل، أن يكون التوجيه بعدم التخلُّص من أيِّ موظف أو مسؤول تنفيذي، إلا إذا ثبت عدم كفاءته أو شروعه في عمل مُضاد .

-٢-
خطاب الوزير جعل من الإحالة هي المبدأ الثابت، وانتقل من ثم لاختيار البديل، دون مُقايسةِ كفاءةٍ بين القادم والمُغادر.
العقاب الجماعي دون فحص وتمييز، دعك من لا أخلاقيَّته، وما سيُخلِّفُه من رواسب سالبة؛ سيكون واحداً من أسباب استمرار تدهور الخدمة المدنية.
والأسوأ أن في ذلك ترسيخاً لتسييس الخدمة العامة، واستدامةً لذلك الوضع الشائه، الذي ظلَلْنا نُعاني من آثاره منذ انطلاق شعارات “التطهير واجب وطني”، في ستينيات القرن الماضي، إلى عهود تمكين الإنقاذ !!
التعيين والإحالة على أساس بطاقة الانتماء الحزبي (مع وضد)، ستُفاقم تردِّي الخدمة العامة، وستجعلُ من الشعور بالغبن والرغبة في الانتقام الحاضر الدائم في السياسة السودانية.
استمرارُ هذا النهج، قد يدفع الحكومة المُنتخَبة بعد انتهاء سنوات الانتقال الثلاث، لإحداث تغييراتٍ مُشابهةٍ لما يحدث اليوم، بحُجَّة أن الذين تقلَّدوا الوظائف في فترة الانتقال، ذوو لون سياسي موحد، وعليهم مُغادرة موقعهم مع انتهاء فترة حمدوك!!!

-٣-
أكثر ما ظلَّ يُقعد السودان عن النهوض، ويمنع انطلاقه في ركاب الدول الباحثة عن مكان لائقٍ بين الأمم، أنَّ كل حكومة جاءت بعد ثورةٍ أو انقلابٍ جعلت من تاريخ وصولها نقطة الصفر لبداية جديدة مُنبتَّةِ الصلة بما مضى!
بداية تحت عنوان (التاريخ يبدأ من هنا)
في سنوات الإنقاذ الأخيرة، كان هذا النهج السالب سائداً؟
كلما أتى وزير، سعى لنسف ما فعله الوزير السابق ودخل في عداءٍ شرسٍ مع المُقرَّبين لسلفه، وعمل بكل اجتهادٍ لخلق دائرة ولاء شخصي له، في مواجهة ما يراه (الدولة العميقة) للوزير السابق!
هذه المعارك الصغيرة، والتصفيات المُتبادَلة بين الوزراء (الحفر والردم)، أضعفت أجهزة الوزارات، وأفسدت بيئة العمل داخلها، بروائح التآمر والمكائد!

-٤-
قُلنا من قبل، ونُكرِّره الآن للضرورة والأهمية القصوى :
النظام السابق بعد المُفاصلة الشهيرة، تحوَّل لجُزِرٍ مُتصارعةٍ ومُتنافسةٍ لا تحتكم لمركزيةٍ تنظيميةٍ واحدة.
رئيس الوزراء الأسبق معتز موسى، كان يشتكي من وجود دولة عميقة تُعيق تنفيذ خططه وبرامجه، وحينما جاء خلفه محمد طاهر إيلا بدأ في تصفية الشركات والأجهزة الموازية للوزارات.
حتى في جهاز حسَّاسٍ مثل الأمن والمُخابرات، نجده شهد تصفياتٍ مُتبادلة بين مديريه صلاح قوش ومحمد عطا!
الحديث عن وجود دولة عميقة، مُستلفٌ، بكسلٍ من التجربة المصرية، دون أن يُغسَلَ من آثارها وظلالها.
أجدني أتَّفق تماماً مع الذين يرون أن الإنقاذ فشلت في خلق دولة عميقة مناصرةٍ لها داخل أجهزة الدولة، فاستعاضت عن ذلك بأجهزة مُوازية.
مكانٌ ذو حساسية عالية مثل بنك السودان المركزي، ومرافق أُخرى حيوية، دعمت التغيير بكُلِّ قُوَّة.
تفسير ذلك، أن الإنقاذ في حقبتها الأخيرة، كانت تكتفي بكسب ولاء القيادات العليا في المؤسسات، ولا تكترث لمن هم دون ذلك.
الخطاب المُتطرِّف عن استئصال كودار الدولة العميقة من أجهزة الدولة، سيخلُق تحالفاً جديداً على أجندة الخوف والغبينة، يُناهض الحكومة الانتقالية من داخل الأجهزة وخارجها.
الأوفق والأفيد لاستقرار الفترة القادمة، ألا تُسارع السلطة الجديدة لسياسة تمكين مُضادٍّ يُعيد إنتاج التجربة السابقة.
كلُّ ما يمكن أن يُعمل في الفترة القادمة، تحكيم معايير فحص الكفاءة مع تفعيل آليات المحاسبة.
حتى يسقط من جاء إلى الموقع برافعة الولاء لا الكفاءة، دون أسفٍ عليه، ويُحاسَب بصرامةٍ من أجرم وأفسد، وكان الانتماء الحزبي له غطاء، تحت بند (فقه السترة)!

-أخيراً-
حاكموهم بأخطائهم وخطاياهم لا ببطاقاتهم الحزبية، وفي ذلك تطبيق لأهم شعارات الثورة (العدالة).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.