حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني

فضل الله ، حداثوي بطريقته

شارك الخبر

(1 )
لا اظن أن هناك اغنية قادمة من خارج العاصمة اشتهرت وتغنى بها كل السودان مثل اغنية (من ارض المحنة ومن قلب الجزيرة / برسل للمسافر اشواقي الكثيرة) التي صاغها شعرا فضل الله محمد ولحنها وغناها محمد مسكين ولعل سبب ذيوعها الواسع مع استمرار ترديدها حتى يومنا هذا هو لحنها الراقص الخفيف وتلقائية وعفوية وبساطة كلماتها ولكن يبقى السبب في اقتحامها للاغنية الام درمانية هو التجديد في معانيها حيث مزج الشاعر الصغير بين حبه للارض وللمحبوبة الانثى لا بل تحيز للارض وبدا ذلك بنسبة المحنة والقلب للارض (ارض المحنة ومن قلب الجزيرة) وبلغ تمسكه بالارض مداه ( قل لي يا حبيبي شن اعمل معاك\هل احلم وامل في سرعة لقاك \ ولا اسيبها مدني واجي اسكن حداك\ قل لي ياحبيبي انا حيران معاك) الشاهد هنا في أن تركه لمدني حيث يقيم من الخيارات الصعبة جدا بينما كان المألوف في الاغنية العربية السودانية هو الهجرة مع الحبيب حتى ولو بالقلب (من الاسكلة وحلا ) حيث تبللت ملابس الشاعر وهو يلهث خلف الحبيب او حتى الرائع الحلنقي الذي جاء بعد ذلك بأكثر من عقدين من الزمان (حبيت عشانك كسلا وخليت دياري عشانك ..)
(2 )
عندما قال فضل الله محمد اغنية من ارض المحنة كان تلميذا في المرحلة الوسطى اي دون الخامسة عشرة من العمر وبعد مراحل التعليم العام التحق بجامعة الخرطوم قلعة الحداثة واختار دراسة القانون اعقد الدراسات النظرية واصبح يساريا اصعب الخيارات السياسية ومع كل ذلك ظل شاعر الفطرة والبساطة (غايتو لو شفقان علينا ما اظنك يوم تسافر) انظر إلى مفردة (غايتو) كيف تحكرت في هذه الاغنية ؟ او قوله (ما بنضوق للدنيا متعة واي زول غيرك نملو ) وهنا كلمة (نضوق) او قوله (اقل حاجة تخلي سفرك حتى لو اسبوع اقلو ) في تقديري أن اغنية الحب والظروف ضربت رقما قياسيا في بساطة الكلمة وادخلت في الشعر كلمات يحتاج ادخالها إلى عبقرية فائقة. لم يقف فضل الله في فتحه الشعري على الكلمة بل جدد في موضوع الاغنية وتناول آخر ما وصل اليه المجتمع من تحديث (بقرا في عيونك حياتي وانت مشغولة بجريدة) ويدلف إلى الونسة (يعني لازم تقري هسي مقال بحالة او قصة كاملة ؟) قارن هذه برومانسية (يا مداعب الغصن الرطيب\ في بنانك ازدهت الزهور زادت جمال ونضار وطيب) اما في اغنية (قالوا متألم شوية \ياخي بعد الشر عليك ) فقد كسر فضل الله كل التابوهات الاجتماعية (النضارة الفي شبابك والطفولة الفي عينيك \ والقلوب الحائمة حولك يا حلو بتتمنى ليك \بكرة تشفى وبكرة …) قارن هذه بما كان قبله عند الشاعر الفذ محمد بشير عتيق في (غفلة رقيبي \قلت ازور حبيبي\قالوا شوية حاسي) كيف عانى وهو يزور المحبوب عندما لزم سرير المرض.
(3 )
كان في مقدور فضل الله بما اكتسب من معارف وثقافة وفكر أن يقدم اشعارا غنائية مفعمة برمزيات الحداثة وما بعدها مثل (الجميلة ومستحيلة) و(الحزن القديم) و(قلت ارحل) بدليل انه قدم (زاد الشجون) ولكنه لم يزد عليها واكتفى بشعره الحداثي المبسط المنغم (في حب يا اخوانا اكتر من كدا \وفي كلمة غير احبك وارددها ؟) و (عاوز اقول بحبك يا وحيدة) باختصار لقد اثبت فضل الله ان اي مفردة لغوية يمكن ان تكون شعرية اذا وجدت الشاعر الذي يضعها في السياق الذي يناسبها اما فضل الله الصحفي فهذه قصة اخرى .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.