تحليل سياسي… محمد لطيف

خطاب حمدوك.. تهديد للسيادة أم تكريسها؟!(2)

السيد نيكولاس هايسوم مستشار الأمين العام للأمم المتحدة للسودان أنهى قبل يومين زيارة للخرطوم شارفت الأسبوع، التقى خلالها طيفاً واسعاً من السودانيين.. بدءاً من رأس الدولة ومروراً برئيس الوزراء ثم القوى السياسية الموالية للحكومة انتهاءً بشخصيات عامة بحكم مواقعها مثل الدكتورة فدوى عبد الرحمن مديرة جامعة الخرطوم.. أو إسهامها وخبرتها مثل الدكتور منصور خالد.. وفِي كل هذه اللقاءات ظل المسؤول الأممي يؤكد حرص الأمم المتحدة على دعم السودان.. وتقديم كامل المساعدات التي تقع في نطاق عمليات الأمم المتحدة للحكومة الانتقالية.. ولَم يخفِ الرجل في أكثر من مناسبة التأكيد على ضرورة نجاح التجربة السودانية بالنسبة للأمم المتحدة..!
ولئن كان مستشار الأمين العام، في رأي بعض المراقبين، قد بدأ جولة استكشافية وسط النخبة السودانية لدور الأمم المتحدة المقبل.. فثمة من يرى أن البعض قد انطلق في مناهضة ذلك الدور.. حتى قبل أن يبدأ.. ولكن المفارقة أن هؤلاء الذين يناهضون دور جديد للأمم المتحدة في السودان.. ينسون أو يتناسون أن الأمم المتحدة لم تغب لحظة عن السودان.. في لحظة ما كانت في بعض أراضي السودان ثلاثة جيوش أممية.. غادر أحدها ويستعد الثاني للمغادرة أما الثالث فهو باقٍ.. ولَم يقل أحد إنه باغي.. أما عن الوجود المدني للأمم المتحدة فحدث ولا حرج.. فلمن لا يعلم، للأمم المتحدة أكثر من عشرين بعثة موجودة بالسودان، من وكالات إلى صناديق إلى برامج إلى مكاتب.. تختلف التسميات وتظل الصفة واحدة، بعثة أممية تقدم خدماتها للسودان.. ومن هذه البعثات هناك تسع عشرة بعثة مقيمة بالسودان، لها مقار ومكاتب وموظفون، أمميون ومحليون.. صحيح أنهم يعملون بجد واجتهاد.. ولكن الصحيح أيضاً أن لا أحد من مسئولينا أو حتى ساستنا يستطيع أن يجزم على وجه الدقة، ماذا تعمل هذه البعثات، وكيف تعمل، ومع من تعمل، وما حجم التمويل الذي تقدمه.. ولمن..؟ 
إن الأمر يبدو كالصدقة.. أليست أفضل الصدقات تلك التي تقدم باليمين دون أن يعلم عنها الشمال شيئاً..؟ فبعض أنشطة الأمم المتحدة في السودان كذلك، فكل وكالة تعمل بمعزل عن الأخريات.. وبعضها تعمل بمعزل عن الدولة.. في كثير من القطاعات تتقاطع أنشطة أكثر من وكالة أممية، لتلاحظ جلياً أن لا تنسيق هناك.. خذ فقط الصحة والتعليم نموذجاً.. وراجع عدد الوكالات التي تعمل فيها..!
يبدو أن البعض قد ظلم حمدوك.. حين اتهمه بأنه لا يعلم شيئاً عن السودان، فخطابه مثير الضجة هذا، قد طلب ولأول مرة أن يكون كل نشاط الأمم المتحدة في السودان تحت قيادة واحدة.. والقيادة الموحدة تعني أول ما تعني أن تنسيقاً سيتم بين كل المكونات.. وأن عيناً مركزية ستراقب كل شيء.. ثم والأهم من ذلك أن الخطاب تحدث عن مشاريع تنموية طويلة المدى.. إذن انهى الخطاب عهد التمويلات الصغيرة قصيرة الأمد والمدى التي لم يكن يشعر بها المواطن.. ومثل هذه المشاريع إنما تصممها الحكومات لا الأمم المتحدة كما تفعل وكالاتها الآن.. ولو أن الخطاب قد اكتفى بهذين فقط، لكان تكريساً لمنتهى السيادة.. لا انتهاكاً لها..!
////
الفاتح 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.