نصف رأي … خالد التيجاني

برقية تهنئة لصديقنا “بيبي”

(1)
أرجو ألا يكون فات على حكومة ترويكا الانتقال، بمكوناتها المدنية والعسكري، من باب التذكير إرسال برقية تهنئة لصديقنا بنيامين نتنياهو الشهير ب “بيبي” بمناسبه فوزه، أو بالأحرى إحراز حزبه تكتل الليكود أكثرية المقاعد في انتخابات الكنيست التي أجريت مطلع الأسبوع الجاري للمرة الثالثة في غضون عام واحد، في محاولة متكررة الفشل للخروج من مأزق لتكوين ائتلاف قادر على تشكيل حكومة، ما زال يديرها نتنياهو كتصريف أعمال، مما يوفر له حصانة تحميه من المثول للمحاكمة بتهم فساد.
(2)
وأما مناسبة ضرورة إرسال برقية التهنئة فمن باب الذكرى لأن حكومتنا شريكة في تحقيق “بيبي” لنصره، لما لا وقد أحسن تسويق لقائه الخاطف بالرئيس السيادي عبد الفتاح البرهان في مثل هذه الأيام الشهر الماضي، وحصد منه جملة من المكاسب أعانته في حملته الانتخابية لدرجة أنه ظل يستخدم كروته الرابحة حتى قبل يوم وهو يذيع اتفاقه مع البرهان على ترحيل آلاف اللاجئين السودانيين في إسرائيل وإعادتهم لبلدهم، وظفر قبلها بفتح الأجواء السودانية أمام طيران العال، فضلاً عن المكسب السياسي باختراق حصار الرفض العربي والإسلامي لمشروع صفقة القرن.
(3)
حسناً قد يقول أحدهم هذا شأن خاص ب”البرهان” الذي بدا أنه صاحب الخطوة والحظوة، عند إدارة ترمب الذي أوكل لوزير خارجيته مايك بومبيو تدبير وترتيب لقاء عنتبي، فما بالك تقحم المدنيين في الحكومة الانتقالية في هذه المتاهة، فما كان لهم علم ولا صلة بما حدث، كل هذا كان صحيحاً في بادئ الأمر حين تعالت الاحتجاجات صاخبة بحجة عدم العلم المسبق بالخطوة، ثم بالشكوى من التغوّل على صلاحية الحكومة في إدارة السياسية الخارجية حسب نصوص الوثيقة الدستورية، ولكن كل ذلك “الموقف اللحظي” تبخر في اليوم التالي، حين تبيّن أن الأمر كان معلوماً بالفعل بل ومباركاً، ولم يتواصل احتجاج المعترضين بعد أن علموا بكل شيء، بل انخرطوا في اللعبة وتم تشكيل لجنة حكومية تولت أمرها، ولتصبح المبادرة الفردية الباحثة عن التطبيع سياسة حكومية رسمية.
(4)
مرّ كل هذا الشريط في ذهني وأنا أتابع مساء الاثنين الماضي فعاليات “مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” المعروفة اختصاراً ب “أيباك”، وهي أكبر لوبي لإسرائيل في الولايات المتحدة، حيث تبارى كبار رجال الاستابليشمنت الأمريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في كلماتهم في إظهار ولائهم ودعمهم بلا حدود للدولة الإسرائيلية ودفاعهم المستميت عن كل ما تقوم به ليس من أجل البقاء فحسب، بل من أجل بسط سيطرتها ونفوذها في العالم كله من أدناه إلى أقصاه.
(5)
ثم ما لبث أن اعتلى المنصة وزير الخارجية مايك بومبيو، عرّاب لقاء برهان نتنياهو، وطفق يتحدث، بزهو وهو يوزع البسمات ذات اليمين وذات الشمال، معدّداً الانجازات الدبلوماسية والخدمات التي قدمتها إدارة ترمب في دعم إسرائيل في كل سوح العلاقات الدولية، وخفق قلبي وتسارعت دقاته وأنا أتوقع بين كل ثانية وأخرى أن يأتي على ذكر “الاختراق الكبير” الذي باتت حكومتنا كلها تعوّل على مردوده، واصل بومبيو تبسمّه وهو ينوّه بدور شخصيتين بارزتين من كبارة قادة دول الخليج العربي، قلت لا بأس للمقام والمال سطوته، قطعاً سيأتي ذكرنا، وطال انتظاري وهو يطوّف في تعداد إنجازات دبلوماسيته في خدمة إسرائيل حتى وصل إلى غواتيمالا وهندوراس، وانتهى الخطاب دون أن يتكرم بكلمة واحد يذكر بها صنيعنا الذي أقام البلاد وأقعدها ونحن نظن أننا سنغير معادلات السياسة الخارجية في المنطقة، فإذا هي نسياً منسية عند عرّاب القضية!!
(6)
كانت الحجة البالغة لتبرير “مغامرة عنتبي” أنها من أجل خدمة المصلحة الوطنية، مع أنني أراهن أنه لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هي، في بلد لا يملك نظرية أمن قومي إبتداءً، وفُسّرت على أي حال بالحاجة لإنقاذ الاقتصاد المنهار، والحال يغني عن السؤال، فهل نتوقع مع هذا التجاهل الأمريكي وبعد أن قضى “بيبي” وطره، أن يدفع ثمناً لما حصل عليها مجاناً؟. ربما كانت بعض الإجابة “خزعبلة” رفع العقوبات التي لفحها البنك المركزي بالأمس.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.