مسرح الحادث

ليست محاولة اغتيال د. عبدالله حمدوك ـ حفظه الله من كل شر ـ وحدها التي تكتنفها الغرابة وتحيط بها الضبابية وتستدعي الذعر، ولكن محاولات اغتيال الوطن الكبير نفسه التي تعددت وتكررت أيضاً تحيط بها دوائر الإبهام ويحفها الغموض وتدلل على انسداد الأفق وسراب المستقبل.
من الذين يخططون ؟ والى ماذا يسعون ؟ وأي وسائل غير معلومة يستخدمون ؟ هل هم الغرباء المتصنعون بالصداقة أم بعض من بني جلدتنا أيضاً معهم يعبثون ؟ كيف صار اللعب بمشاعر الناس وآمالهم وتطلعاتهم رخيصاً ؟ وكيف تحكموا بمقود عواطف الشباب يديرونها حيث شاءوا دون علامات الإرشاد الواضحة بصناعة الغفلة المخدرة وبيع الوعود الكاذبة ، وماذا يصنع من نُصبوا مسئولين على شأن البلاد والعباد ؟ هل ما زالت سكرتهم بالتبؤ الرسمي ( رابطة ) استعراضًا لخطط وبرامج الوهم ومضيعة لوقت الشعب في التنمر و( التعنتر ) وفش الغبينة الي أن اصطدمت رؤوسهم الثملة بجدار الواقع المأزوم ومعاناة الشعب المغلوب في الصفوف والضجر والسهر حتى استنجدوا بحميدتي (الضكران ) .
كم عدد الانفجارات المعنوية التي تحدث يومياً في وسط الشعب السوداني ـ تعيس الحال ـ بسبب العنت والرهق ؟ وما حجم العبوات الناسفة التي لا تحتاج الى قناديل إشعال حتى ( تفرقع ) غير أنها تكفيها فقط حرارة الأسواق ولهيب الأسعار ونيران الحصول على الخدمات الضرورية ليتوقد فتيلها وتنفجر بصخب ، وكم من غيظ ملأ نفوس المواطنين وهم لا يجدون من المسئولين الذين صبروا عليهم ومنحوهم الفرصة تلو الفرصة والعذر بعد العذر غير الرسم بالكلمات وصناعة شماعات التعليق وتقديم بدائل العاجزين والفاشلين المعطرة برائحة الفساد الفاخر وغير الفاخر ، والأنكأ بروز ظاهرة الوالغين الجدد وعطشى التكسب بالتوسط الذين يقفون على بعض الأبواب ككلاب الحراسة و( يتمردغون ) في كراسي الصالونات والدواوين على قاعدة المثل الشعبي ( البوبار في بيت الإيجار ) .
لا توصيف أدق لراهننا الحالي غير إنه عهد تخبط الرؤى ، وراهن نهج التجريب ، وصراعات الفرصة الأخيرة ، وتجاذبات المكاسب ، و ( فش الغبينة الخرب المدينة ) ،، فاستجداء المانحين لم يأت بالتمويل بل أدخل البلاد في جحور الشروط المجحفة والمتسلسلة الى أن نسلم قرارنا الاقتصادي والوطني لغيرنا ، وأفكار المستجدين لم تتعد مرحلة التمهيدي ، والصراعات والتجاذبات لم تزرع فينا غير بذور الكراهية ولم تغذ إلا شرايين العصبية ، ولم توجد بيننا غير الأنانية والرؤى الأحادية التي جعلت أصحابها يصدحون علنًا بلا أريكم إلا ما أرى،، فأي بيئة هذه التي لا تتلاشى فيها شعارات الحرية والسلام والعدالة ، ولا ينزوي فيها التمشدق بالديمقراطية والقيادة الجماعية لصالح الشللية والمكائد والكسب بالفهلوة .
الوطن كله صار الآن ( مسرحًا للحادث ) به بقايا الاحتراق ويحوي مخلفات الفرقعات وتشققات الانفجارات وينتظر عملية التطويق الجنائي ووضع علامات الحذر الحمراء ، ويتأهب لدخول المفتشين الوطنيين والمحققين النبلاء ورجال العدالة وحماة السياج ، وإن لم يتضح ذلك أكثر بعد انقشاع دخان التفجير الآثم الذي استهدف د.حمدوك فعلى الوطن السلام .. وإلى الملتقى.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.