الرواية الأولى||مجدي عبدالعزيز

من يحاسب الحكومة بل من يقيلها؟

شارك الخبر
•   لا أعتقد أن السودان منذ أن نال استقلاله في العام ١٩٥٦م وعبر كل عهوده بمسمياتها المختلفة اكتنفه وضع بهذا الإبهام الذي نعايشه الآن، فالمرحلة الانتقالية مازال مداها وعمرها موضع شد وجذب حتى بين المكونات التي صنعت الوثيقة الدستورية، ومازالت هياكل الحكم التي حددتها ذات الوثيقة غير معلومة الوقت الذي يكتمل فيه بناؤها أو تمارس فيه صلاحياتها وبذلك تُؤَدي المهام الآن بما يشبه (التصرف) ـ ولن ننسى هنا الجدال الكثيف الذي فجرته الإعلامية القديرة (لينا يعقوب) قبل فترة بوجود نسختين من الوثيقة الدستورية ـ أضف إلى ذلك حال ولايات السودان الذي لا يعرف طبيعة حكمها الآن هل هو مركزي، أم فيدرالي يعاني أيضاً من نقص هياكله وفقدان صلاحياته .
•   لا يدل سوق المبررات أو كثرتها تارة بقضية السلام وتارة بتوافقات الحاضنة السياسية للحكومة أو غيرهما من مبررات لتعليل نقصان هياكل الحكم أو تعثر مسيرته إلا على غياب الرؤية الشاملة منذ البداية لاستحقاقات مرحلة الانتقال واستيعاب عناصرها وكيفية العبور بها، بل كان واضحًا أن إثارة النزاع مع العسكريين بدوافع الهواجس والريب لتتسيد بعض القوى السياسية على المرحلة الانتقالية هو الذي جعل ميلاد هذا الجنين الانتقالي مشوهًا، رغم (الكفكفة واللملمة) واللحاق المتأخر الذي جعل الآن من عبارة (الشراكة العسكرية والمدنية مميزة جداً) إحدى أهم عبارات السيد الوزراء في كل المناسبات.
•   الخلل الأول القائم الآن هو انقضاء فترة الثلاثة أشهر التي حددتها الوثيقة الدستورية (المعمول بها) بأن يقوم مجلسا السيادة والوزراء مجتمعين بمهام المجلس التشريعي إلى حين تكوينه، والخلل الثاني بل الكارثي هو انقضاء أجل المحكمة الدستورية والمفترض أن يعيد تكوينها مجلس القضاء العالي (الغائب) ، وهو كارثي لأن المحكمة الدستورية مهمتها الأساسية والرئيسية هي حماية وصيانة وثيقة الحقوق والحريات العامة المضمنة بالوثيقة الدستورية، والآن يُجأر بالشكوى يومياً من تدابير وإجراءات تُتخذ يصفها كثير من المتظلمين بأنها نحر للحقوق ومساس بالحريات التي يتباكي عليها القوم .
•   إذا وافقنا واتفقنا على مضض إن مهام المجلس التشريعي الغائب يقوم بها التئام مجلسي السيادة والوزراء لإجازة الميزانية وسن القوانين وهذا في الواقع حدث، لكن هل يقوم هذا الالتئام بمهمة الرقابة على أداء الحكومة ؟ ، ولرقابة الأداء الحكومي أسس ولوائح معلومة ومعروفة في العمل البرلماني تتمثل في عرض وتقديم خطط الوزارات ـ كل وزارة على حدة ـ إلى البرلمان الذي يناقشها ويقدم الملاحظات والتوصيات عليها ومن بعد يمارس الرقابة اللصيقة عليها، ويحق له تقديم ما يعرف بالمسائل المستعجلة للوزراء والمساءلة المحكومة باللوائح ، بالإضافة إلى مراقبة مسيرة الموازنة بالتقارير ربع السنوية والاستماع إلى خطاب رئيس الحكومة الموسمي والرد عليه، هل هذا سيحدث ؟ أم أنه مرتقى عال لا يُنال في ظل هذا الإرباك ( كأدني وصف يمكن استخدامه ) .
•   لكن أيضاً أليس من المضحك والمثير للسخرية في هكذا وضع تشريعي ورقابي أن تقوم حكومة بمراقبة نفسها باعتبارها جزءاً من البرلمان المؤقت بل لها غلبة العدد على مجلس السيادة فيه، إذن من يحاسب هذه الحكومة ؟ وهل إذا كان هناك مجلس تشريعي حقيقي ومستقل يقف على رأسها سيعجزه أن يقول إن صحائفها ممتلئة بالفشل وبالأزمات وبالنكبات وبسوء التدبير ؟ ، والسؤال المُلِح والواجب الآن من يقيل هذه الحكومة ؟ أم إنها معصومة والسؤال ممنوع ؟ .. إلى الملتقى ،،
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.