“عبث يا نعمات”

(1)

يظل القضاة السودانيون، شخوصاً وأحكاماً، محل احترام وتقدير، دون مساس بهم أو بهيبتهم ووقارهم، وتلك قيمة، محل قناعتنا، وقناعة كل الشعب السوداني، نقربها دون مزايدة أو نفاق أو تقية.
الاعتداء من قوة تابعة للجيش على قاضي محكمة الفاو “إذ ثبُت بطرق القانون” يُعد بكل المقاييس أمراً مداناً، إدانةً كاملة، ويستوجب الوقوف عنده، ومعاقبة المتورطين فيه، وفقاً للقانون وأسس المحاسبة الإدارية داخل الجيش، وفي الحالتين يجب ضمان حق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم، حتى ولو كان خصمهم قاضياً من القضاة، كما وجب إبعاد أية مؤثرات على العدالة، أياً كان مصدرها.

*يحق للسلطة القضائية وزملاء القاضي، أن يغضبوا مما حدث، والعمل على عدم تكراره، لكن الموقف الذي اتخذته رئيسة القضاء، بالطلب من كل القضاة التوقف عن العمل ولفترة مفتوحة، قرار جانبه الحكمة والصواب، ولا يشبه حُراس دولة القانون، ويكشف للأسف الشديد، سوء تقدير في اختيار مولانا نعمات، لهذا المنصب، كما جردها من الآن وصاعداً، من أي مؤهل يتيح لها الاستمرار في رئاسة السلطة القضائية، بل لم يترك لها خياراً سوى تقديم استقالتها مشكورة على تصديها للمهمة في وقت صعب وحرج، وكل ذلك دون قسوة عليها أو نزع ثوب الاحترام والتقدير عنها، وذلك لجملة من الأسباب.

(2)
الحادثة، وطبقاً لحيثياتها المتاحة، حادثة فردية معزولة تماماً، ليست فيه ثمة مؤشر على نهج مؤسسي أو رغبة من أي طرف، تحول دون محاكمة المتهمين أو تشجيع لهم للإفلات من العقاب، لذا لم يكن من المنطق والحكمة تضخيمها وتصعيدها بتلك الطريقة.
كما أن الرواية المتاحة على مستوى الإعلام حتى الآن من طرف واحد، لديه مزاعم بالاعتداء عليه، وهذا حقه الطبيعي، لكن من حق الطرف الآخر تقديم روايته وسرده للحقائق من منظوره، فربما تكشفت أشياء أبطلت كل مزاعم الطرف الأول.

(3)
طبقاً للمنشور الصادر من السيدة نعمات محمد عبد الله ، فإن القاضي المعتدى عليه، اتخذ كل الإجراءات القانونية لمحاكمة المتهمين، بالتالي وجب على رئيسة القضاء، ترك الأمور لتسلسلها القانوني الطبيعي دون التأثير على سير العدالة، فليس هنالك ثمة مبرر واحد لصدور المنشور بلغته الحادة، إلا إذا توصلت السيدة المحترمة، لنتيجة مفادها أن المؤسسة التي يتبع لها المتهمون رافضة لمحاكمتهم، أو تقف دون تسليمهم للعدالة، وهذا أمر لم يقل به منشورها، ومن المؤكد أنه لن يتبين خلال 24 ساعة، هي المسافة الفاصلة بين الواقعة والمنشور.

(4)
مولانا نعمات محمد عبد الله، قالت كذلك إنها خاطبت مجلس السيادة، وطلبت منه محاسبة المتورطين إدراياً، للقيام بماهو كفيل من إجراءات لمحاسبة القوة المعتدية، بما يتناسب مع جسامة الحادثة.
لاحظوا معي لم تطلب رئيسة القضاء، بكل ثقلها وإدراكها القانوني، من مجلس السيادة، التحقيق أولاً حول الواقعة، بل قفزت مباشرة للمطالبة بمحاسبة المتهمين، وكأنها موقنة بإدانتهم.
كذلك يبدو طلب المحاسبة في ظاهره منطقياً ومقبولاً وملحاً و ضرورياً، لكن يكشف عن تدخل صريح، مع سبق الإصرار والترصد، في عمل جهاز تنفيذي، ونربأ بالسيدة رئيسة القضاء، بأن تفعل ذلك، وهى المطلوب منها أكثر من غيرها، ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، ليتسق ذلك مع حرصها على مبدأ عدم تدخل أي جهة في عمل القضاء.

(5)
بيان السيدة الفضلي، نعمات محمد عبد الله، احتشد بالعبارات العاطفية، التي لا تشبه مطلقاً لغة القضاء، وكررت عبارات عامة لا يمكن تنزيلها بأي حال من الأحوال على واقعة مدينة الفاو.
عموماً لم أتصور في يوم من الايام أن تدير السلطة القضائية، مشكلة من مشكلاتها، عبر سلاح الإضراب عن العمل والمنشورات العاطفية، دون الاهتداء بطريق القانون والعدالة، وإذ استخدم القضاة سلاح الإضراب، وبتلك الكيفية، فماذا تركوا من قدوة للنقابات؟ وللمواطن العادي؟
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.