الغيبة والنميمة… تحبط الأعمال والحسنات

رجاء حمزة النيل

نظم الإسلام العلاقات البشرية بين بني البشر.. وبهذا التنظيم أزال الأسباب التي تفتك بالمجتمعات فتهلكها وأرسى العدل بين الجميع فارتفعت عن الناس سحائب الشحناء والتباغض والتحاسد وهذه الأمور التي أولى الإسلام لها أهمية قصوى في التنظيم الاجتماعي هي بفضل الأحكام الإسلامية التي تحث على العدل وتجرم الظلم والتعدي والبغي.
والغيبة- تمثل أحدى هذه الأفعال التي تفتك بالمجتمع، فهي خلق سيئ نهى الله تعالى عنه لأنك تذكر أخاك بالسوء في غيابه وكأنك تأكل من لحمه ميتاً فقد قال تعالى:(ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً).

الغيبة هي أن يذكر المسلم أخاه المسلم بما يكره في حضوره أو غيابه عنك.. بأمور فإن كان ما ذكرته عنه بما يكره وهو ليس موجوداً فيه فقد افتريت عليه ويسمى بذلك بهتاناً وقد بين ذلك قول النبي ﷺ:(الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل:أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته).

نهى الله تعالى عن الغيبة كما جاء في القرآن في سورة الحجرات حيث قال:(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي عليه السلام:”حسبك من صفيه كذا وكذا”قال الرواة تعني”قصيرة” فقال:”لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته” أي أفسدته “واعتبرها غيبة”.

أما النميمة: فهي أشد خطراً من الغيبة، لأنها تعني نقل الحديث من قوم إلى قوم أو إنسان إلى إنسان على جهة الإفساد والفتنة، وهي تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين “الإخوة، والزوجين وتسبب الحرب بين الأهلين” فالنمام يجمع إلى قبح النميمة قبح الغيبة لأنه يهتك ستر أخيه ويذكر عيوبه، ولقد حذّر الله تعالى المؤمنين شر النمام (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) والنميمة محرّمة بالكتاب والسنة والإجماع- فأما الكتاب ففي قوله تعالى:”همّاز مشاءِ بنميم”(القلم11)،أما في السنة فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال:(إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول).

ما الفرق بين الغيبة والنميمة: الغيبة والنميمة كلاهما حرام وكبيرة من الكبائر، كذلك إن النميمة هي نقل حال الشخص إلى غيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه أما الغيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ذكرك أخاك بما يكره).

تورث الغيبة بين الناس الشحناء والبغضاء خصوصاً إذا وصل للشخص الذي اغتبته كلامك فيه فيحصل عندها التقاطع والتباغض وكذلك تنشر الغيبة أجواء من الكراهية وعدم الثقة بمن حولك من الناس فأنت عندما تكون بين بيئة يغتاب بعضكم بعضاً فأنت بلا شك سيغتابونك وأنت لست حاضرا معهم وهذا يقتل الثقة بين الآخرين ويطفئ الود ويجعل الكراهية في صدرك لمن حولك وهذا من عظيم خطر الغيبة على الفرد والجماعة.

كفارة الغيبة والنميمة:
هي التوبة النصوحة الى الله تعالى والتي تكون بترك الغيبة والنميمة والحذر من الوقوع فيهما والندم على ما قام به من الغيبة والنميمة أو همز ولمز وألا يعود إليهما وهذه هي كفارة الاعتداء على حق الله؟!!فقد نهى الله عباده عن الغيبة والنميمة في كتابه الكريم،أما كفارة الاعتداء على أصحاب المظالم ومن اغتبته فإن عليه أن يذهب إليهم ويطلب منهم السماح والعفو،إجمالاً أو تفصيلاً، وإن لم يستطع أو كان قد مات أو غاب تكثر له من الدعاء والاستغفار كما قال بعض العلماء، إنه يكفي أن يستغفر لهم بصورة عامة من غير ذكر أسماء وأن يدعو لهم ويثني عليهم..مثل أن يقول “اللهم اغفر لكل إنسان أنا اغتبته أو ظلمته ويدعو له بكل خير”ويظل يدعو دوما بذلك”.

التخلص من الغيبة والنميمة يمكن بعدة أمور يجب اتباعها وهي:
*اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء “اللهم أعني على ترك الغيبة والنميمة”.
*انشغال الشخص بنفسه ويذكر عيوبها والمجاهدة في علاجها.
*الانشغال بما يفيد من ذكر وتلاوة، وتجنب مجالس الغيبة والنميمة والابتعاد عن مجاملة أصحابها.

*إدراك عظم هذا الذنب وتذكر خطورته وصعوبة الخروج منه لتعلقه بحقوق العباد.
*إدراك آثارهما التي تدمر العلاقة بين الناس.
*استحضار الصور التي صور بها الله تعالى المغتاب قال تعالى:(أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
*تدريب اللسان على ذكر الله تعالى والاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.”ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد”(ق18)وأكثر ما يُكبّ الناس في النار اللسان.

مما يُذكر في أضرار الغيبة والنميمة في الدنيا والآخرة أنها تزيد رصيد السيئات وتحبط الحسنات وهي من أربى الربا لكونها تجاوزت حد القبح وهي أن يستطيل المرء في عرض أخيه كما أنها تفلس صاحبها يوم القيامة..ويوضح ذلك هذا الحديث الذي يعتبر محور وملخص هذا الموضوع- قال صلى الله عليه وسلم:(أتدرون من المفلس؟قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع،قال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام،وقد شتم هذا وضرب هذا،وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).

إخوتي الكرام انتبهوا:هذه مخاطر الغيبة والنميمة وطرق علاجها كما أوضحنا، ولا تُباح إلا لغرض شرعي كأن ــ يعلن المظلوم عن ظلمه، أو يُدعى إنسان للشهادة، أو يشهد من غير أن يُدعى لإثبات حق قد يضيع..كما تجوز الغيبة أيضاً عندما يسألك إنسان عن مصاهرة إنسان “زواج” أو مشاركته عمل أو معاملته وأيضاً المُجاهر في المعاصي، والفاسق والمنافق والمارق من الدين فهؤلاء تجوز فيهم الغيبة “بقدر الحاجة لا التشفي”- كي يتجنب الناس شرورهم.

واللسان نعمة من نعم الله العظيمة فيجب أن نستخدمه في الكلام المفيد.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، واعلموا إخوتي.. أن من نمّ أو اغتاب لك نمّ واغتاب عليك ومن نقل لك خبر سوء سينقل عنك مثله”واعلم أنك كما تدين تُدان”.
والله المستعان

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.