أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

رئيس وزراء كل السودان

شارك الخبر

لم أندهش لأي دُرَّة لَهَجَ بها قبل أن تتجوهر في لسانه كأني الأدرى بالنطق قبل أن يتخلق في فمه؛ لكنني توقفت عند هذه الجملة لما تحمله من سعة وما تستبطنه من مسؤولية وما تفرضه من تيقظ عقلاني وما تمتد به للآخر المختلف معه .
إنها جملة تقتضيها المرحلة بكل تقوسها المعقد .
تفرض هذه الجملة على حمدوك عقيدتها كونها قصيرة وفسيحة في آن معا، فللجملة القصيرة طولها الذي يمتد بلا أفق .
أول ما تفرضه هذه الجملة ضرورة التفحص في محاصصة الأيدولوجيا بالاختيار على المعنى الجوهري للكفاءة لأن الكفاءة رؤية علمية ومنهجية وتراكم خبرة موصولة وليست موقفا سياسيا لكن إذا اقترن الموقف السياسي بتعريفها الأتم فذلك هو المبتغى.
تفرض هذه العبارة أيضا على حمدوك بذل نفسه للجميع (وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف)، وهذا ما تتطلبه الترجمة المحكمة لعبارة رئيس وزراء كل السودان لأن الرئيس فرد بصيغة منتهى الجموع.
الحفاوة الإلكترونية التي تنتظم مواقع التواصل الاجتماعي كان مفتاحها هذه العبارة الحاضنة والبتولة والجامعة الخارجة من رحم التقليد السوداني الطالع من النفير والهمة والتلاقي ومد الكف للكف.
وتأسيسا على اندياحها على هذا النحو الجامع أصبح حمدوك في موقع القائد وليس الفني فقد منحوه الناس هذا الموقع لأنه ظل شاغرا، فمن الصعب أن تقول إن فلانا هو قائد هذه الثورة ومن العصي أن تسند رجاحتها على فاعلية بعينها، ومن غير السهل أن تقول إن ذلك الحزب هو الذي قادها وانعقد لواء النصر على يديه ثورة قائدها شعب كامل تنازل طوعا ليد فنية ماهرة لتنقر طبلها الرازم المستهدف اللقمة والرخاء والسلام والكبرياء.
كان لا بد لحمدوك أن يقول هذه العبارة طائعا لأن صانع التغيير كان شعبا كاملا وليس فردا أو حزبا ولكن هل ستمضي هذه العبارة طلقة وجزلة حتى المنتهى؟
هذا ما سأل عنه الأستاذ فيصل محمد صالح حول مستقبل العلاقة بين رئيس الوزراء وقوى الحرية والتغيير في أول لقاء تلفزيوني للرجل ولا أعتقد أنه طرح هذا السؤال اعتباطا استنادا لما يعرفه وما ظل ينلمسه وينتقده في بعض الأحيان فهذه القوى طيف واسع أطرافها متباعدة الروي تولفها وحدة شكلية اختبرها التاريخ منذ الاستقلال لكنها تقف الآن على تجربة طويلة من إخفاق العمل المشترك فيما بينها لذا لا بد لها من ابتداع وسيلة جديدة تحكم العمل فيما بينها لأن عطاءها في ميادين الإنجاز ظل ضامرا لطبيعتها التنافسية النافية لبعضها على كل الصعد.
أذكر أننا في التلفزيون القومي إبان الديمقراطية الثالثة لم نكن على تيقن من موقف الحكومة الرسمي من الحرب العراقية الإيرانية لأن الحزبين المؤتلفين كان أحدهما مع إيران والآخر مع العراق؛ فكلما نقلنا خبرا عن تقدم إيراني في الحرب شب الحزب الموالي للعراق مطببا ومشافيا.
الحرية والتغيير بحكم تكوينها الحزبي السياسي تملك رؤية عامة، لكنها لا تحمل برامج مفصلة وكوادر مهنية صرفة تولد الكهرباء وتدير الاقتصاد وتفلح الأرض وتدير التوازن الخارجي الحرج، كما أنها ليست على رؤية واحدة تجاه الجيش، بل تطالب بعض أطرافها بعزله عن الترتيب الانتقالي وبعضها الآخر يعترف بدوره غير المتفق عليه في التغيير الذي جرى.
كل هذه المتاريس قد تعيق هذا التدفق الذي تستقبله الآن كل الأيدي بأكف متلاصقة.
نأمل ألا يعيد التاريخ الذي يمد الآن سبابته شاهدا على ذلك الإخفاق نفسه من جديد، وأن تستفيد القوى السياسية من عثرات الماضي لترسم واقعا جديدا بمثل ما يأمل الشعب وما يصبو إليه حمدوك.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.