أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

اعتذار عن وزارة البهائم

شارك الخبر

فاجأني الصديق الأعز عادل الباز، بترشيحي وزيرا للثروة الحيوانية، وأنا في (صمّة خشمي) في كندا، أتنقّل من مستشفى لمستشفى بحثا عن خلية سرطانية يرى الأطباء أنها مخبوءة في حرز مكين بجسدي وماتزال ماكينات التصوير وأخذ العينات تستمر لمعرفة خباء الخلية.
جاء ترشيح الباز لي على خلفية أنني من الكفاءات الحقيقية لشغل هذه الحقيبة، لما أظهرته من براعة في الكتابة عن الجزارين والضأن وسر العجول التي لم تبلغ الحلم، وصلتي بأساطين من يتحكمون في مسيرة الأنعام، لكنني وعطفا على اعتذار مولانا سيف الدين حمدنا الله والأستاذ فتحي الضو، أُقدِّم اعتذاري للباز، رغم أنني أظن أن ما قدمته من تضحيات في سبيل هذا التغيير لم يقدمه أي أحد، فأنا كنت أول القتلى لكنني لم أمت.
كنتُ أول المفصولين من التلفزيون، ومن أوائل من ارتادوا بيت الأشباح، ومن أكثر معتقلي الإنقاذ مدة، إذ إنني مكثت بسجن كوبر عامين كاملين، عاشرت خلالها التجاني الطيب ويوسف حسين وحبيبي الإمام ونقد الله وعبد العزيز خالد والسر مكي، والراحل الصادق شامي، وكنتُ لعامين أستلم اللحم البقري المُخصَّص للمُعتقلَين الذي لا يدخل العنبر إلا بعد موافقتي، وهذا ما يعضد الترشيح، ثم إنني أنفقت عمرا في القاهرة أعمل مع الراحل التجاني الطيب وصديق بولاد ومعتصم حاكم في تحرير صحيفة السودان، ثم أنني أول من هاجر، وأول من عاد، وأول من (صالح)، وأكثر من عبَس وتولَّى!
أُقدِّم اعتذاري للباز على خلفية أنني أُحِبُّ السودان، لكنني أكره تملُّكه، وأنا ضد مُعتَقد السلطة، وأُعاملها كعاهرة تخون عشيقها الأول كما عالم عباس. السلطة صنبورُ التقيُّح، ووزارة البهائم أكثر الوزارات تجسيداً للغواية، لأنها سلطة العاقل على من لا يفهم، سلطة الإنسان بكل نزقه على الحيوان بكل الإلفة والوداعة. سلطة الأقلية الفاعلة من بني الشر على الحشود المُعطَّلة من القطيع.
ثم إنني في هذه المرحلة قرَّرتُ دعم الشباب الذي خرج للشوارع، وجدَّد أملنا وأمانينا، وفتح كل أشرعة الأمل، فلا مجال لنا أمام هذا الموج المُتَّجه نحو مصبِّه المأمول إلا بتوجيه هذه الطاقة للوصول بها نحو الشواطئ الآمنة من موقعنا كحاضني تجارب.
ولكن لا بأس من الإسهام في أمور البهائم، فمازال ميدانها بُكراً، وعارفو أسرارها قلة. ولعل أول إشارة في هذا الأمر أرسلها الدكتور حمدوك في معرض تشخيصه لعلل الاقتصاد السوداني حين اشار ضمنا لجلود الأنعام وأثمانها المقدرة حين تباع البهائم حية. هل تصدق يا باز أن سعر الجلد يقارب سعر اللحم? وأن أجود أنواع الجلود في العالم تنحصر في نيجيريا والسودان? وأن كبريات مصانع الأحذية في العالم لا تستطيب سوى جلود مدابغ كانو، التي يمتلكها السوداني النيجري محمد عثمان الطيب؟
وهل تعلم أن خروف البطانة هو سيد خرفان العالم، لجودة لحمه الذي وفرته طبيعة تربيته المبذولة على الدَّعة، فهو لا يتحرك إلا شاربا أو آكلا، وهو الذي يطوي في حشاه أدب الهمباتة، لذا حين تجري السكين على نحره فهو لا يتحشرج، بل (يدوبي)، وتلك هي الحملان التي 
أنتخبها لأكارم ضيوفي من كُلِّ الطيف السياسي.
وهناك (تيس الميدوب)، وهو تيس فريد، لا يأكل إلا نبات الجزو، الذي يفيض في جسده بكل خصائص الضأن، لذا كان عمنا علي جن، عليه رحمة الله، يذبح تيوس الميدوب ويركب (ضنب الضأن) لإيهام الزبائن تماماً مثلما تمثلت تيس الميدوب للإنقاذ لاسترداد حقوقي!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.