القيادي بالحرية والتغيير محمد عصمت حول (اقتحام البنك) وتصريح الـ (64) مليار .. مزيدآ من التأكيدات: لست في حاجة للاعتذار.. والمبلغ المنهوب يقدر بأكثر من (64) مليار دولار

حاوره: فتح الرحمن شبارقة

يقول إنه تم اعتقاله وفصله من العمل في ظل النظام السابق، فكيف أُعيد للعمل وأًصبح قيادياً في بنك السودان، هل رضي عن الإنقاذ، أم رضيت عنه ربما؟، هل كان طوال تلك الفترة متعايشاً مع الفساد أم رافضاً له (من سكات) أم ربما كان كموسى في بيت فرعون كما يقولون؟، من أين جاء بتلك الأرقام التي يراها البعض مبالغاً فيها عندما قال إن لمحاسيب ورموز الإنقاذ في ماليزيا فقط (64) مليار دولار منهوبة من عرق الشعب، ألا يفترض في مصرفي مثله، عناية أكثر بالأرقام، وأدلة مقنعة للتحقق من مدى صحتها؟.. ثم في محور آخر لماذا أثار كل هذه الضجة بدخوله الموثق بالفيديو للبنك السوداني المصري للمشاركة في فعالية نقابية دون علم المدير، وما الذي حدث بعدها ولم يوثق في ذلك الفيديو المبتور الذي تم تداوله بكثافة في منصات التواصل الاجتماعي؟
كل هذه الأسئلة الساخنة، استقبلها الأستاذ محمد عصمت القيادي البارز بقوى إعلان الحرية والتغيير برحابة صدر وديمقراطية قلما يتحلى بها غيره من السياسيين إلى هذه الدرجة، فلم يتردد عصمت أو يتهرب من تقديم إجابات ومرافعات جريئة عليها، فإلى مضابط الحوار:

*أين كان محمد عصمت قبل سقوط الإنقاذ؟
– حقيقة هذا السؤال أصبح يُثار من كثيرين هذه الأيام، فأولاً أنا ظللت معارضاً لنظام الإنقاذ منذ يوم انقلابه في 30 يونيو 1989، ودخلت المعتقل يوم 16 أكتوبر 1989م، وعقب الخروج بعد 11 شهراً تقريباً داخل معتقلات النظام تم فصلي للصالح العام، وظللت مفصولاً ومشرداً لحوالي (10) سنوات. وخلال هذه السنوات العشر كنت أقاوم عبر المحاكم ومكاتب العمل ودواوين العدالة الولائية والمركزية من أجل العودة لحقي في وظيفتي التي تعينت فيها عام 1981م أي قبل انقلاب الإنقاذ بـ (8) سنوات. وخلال هذه السنوات ظللت أتعرض للملاحقة وللاعتقال والاستدعاءات المتكررة، وظللت أعمل – وهذه مسألة معروفة للكل في داخل بيت الزعيم الأزهري- عبر الحزب الذي بدأنا (نلملم) فيه أنا وسمح السجايا محمد إسماعيل الأزهري، وكل هذه الفترة ظللت أقاوم وضد النظام.. وتم اعتقالي يوم 31 أكتوبر 2018م بعد مشاركتي في موكب يوم الإثنين وظللت في المعتقل حتى يوم 11 إبريل عندما خرجت بإرادة الشعب السوداني.
* قلت إنه تم اعتقالك وفصلك من العمل، فهل رضيت عن الإنقاذ أم ربما رضيت عنك الإنقاذ حتى تعود للعمل مرة أخرى وتتبوأ مواقع قيادية في بنك السودان؟
– الإنقاذ لم ولن ترضى عني في يوم من الأيام، وأنا عدت بقرار من ديوان العدالة الاتحادي، وهذا كان بعد نضال استمر لأكثر من 10 سنوات، وعدت ضمن آخرين. ففي بنك السودان تحديداً عدت أنا وزميلي الأخ محمد عبد النبي، وهنالك أعداد أخرى من الذين عادوا..
* وبعد أن عدت، هل كنت متعايشاً مع الفساد الذي تتحدث عنه الآن أم رافضاً له (من سكات)؟
– أنا تربيتي لا يمكن أن تتعايش مع الفساد، وآرائي داخل البنك المركزي مشهودة ومعروفة. ولكن كان هناك تعتيم إعلامي على مواقفي الشخصية.
*ولكنك كنت تترقى في العمل حتى أصبحت مديراً ألا يشير ذلك بأن هنالك رضا عنك بشكل أو آخر؟
– أولاً أنا واحد من (64) مديراً في بنك السودان، ولك أن تتخيل الوظيفة التي أنا فيها حتى الآن، هي في آخر القائمة. ثانياً هذه الوظيفة ليست ذات أهمية وأكسبتها أنا هذا الصيت بنضالي خلال هذا المرحلة. وبيني وبين الوظائف العليا ثلاث وظائف وهي (مدير عام ومساعد محافظ ونائب محافظ ومحافظ). فهي ليست وظيفة كبيرة.
* ألهذا أنت غاضب ربما، وتبدو دائماً كمن ليس لديك ما تخسره من واقع قيادتك للحراك والعمل النقابي؟
– أنا أصلاً زول متوكل لا تهمني وظيفة ولا خائف من اعتقال أو تشريد، وأصلاً الموت أنا ما خائف منه لأنه قدر محتوم.
*أنت مكثت فترة طويلة داخل بنك السودان في ظل النظام السابق فهل كنت كموسى في بيت فرعون ؟
ضحك وهو يقول: (حلوة موسى في بيت فرعون دي).
ثم قال بعد أن ارتفعت نبرة صوته قليلاً: (يا أخي السودان كله على امتداد مساحته كان مفروشاً بالفساد، لكن كان قدرنا أن نظل في السودان ورفضنا أية محاولة أو فكرة أو دفعة من أي جهة للخروج من هذا البلد في انتظار مثل هذه الأيام).
* البعض استغربوا جداً من حديثك عن الـ (64) مليار دولار لرموز ومحاسيب النظام السابق في ماليزيا، وتساءلوا عن الدليل على ماذهبت إليه من رقم ضخم؟
– من يرددون هذا السؤال مثل حديث عمر البشير زمان (العندو أدلة على الفساد يجيبا لينا)، فأنا مهمتي كسياسي ليس البحث عن المستندات وليس الجري وراء الأدلة والبراهين. وأنا حينما أصل إما بتحليل أو بناء على معلومات – سواء أكانت مؤكدة أو غير مؤكدة- أو من خلال مؤشرات وأُعبِر عن هذه الأِشياء فيفترض الجهات المعنية هي التي تسعى وراء المستندات والأدلة. والكل يعلم إن كل موارد هذه البلد نُهِبت. فأين عائدات أرياب من الذهب؟، وأين عائدات البترول من 2000 – 2005م؟ وأين عائدات الذهب بعد نضوب البترول؟.. يا أخي هنالك قروض تم منحها لهذا البلد ولم تصل ودخلت في جيوب رموز ومحاسيب النظام.
*لا خلاف سيد عصمت في أن هنالك فاسدين كُثر، لكن الخلاف في حجم مبلغ الفساد المودع في ماليزيا فقط (64) مليار دولار؟
– على لساني: المبلغ المنهوب يقدر بأكثر من (64) مليار دولار..
*لكن من أين هذا المبلغ.. أين الدليل على ما تقول؟
– قريباً سنوافيكم بالأدلة.
* هذا الرقم أثار سخرية البعض صراحة خاصة وأنه جاء من رجل اقتصادي ومصرفي يفترض أن تكون لديه عناية بالأرقام؟
– يا عزيزي مهمة البحث عن هذه الأموال ليست مهمتي، أنا مهمتي التأشير عليها..
*لكن لا بد أن يكون التأشير على شيء معقول ومنطقي حتى يبحث الناس عنه؟
– أنا ذكرت هذا الرقم، وعلى الجهات المختصة والمسؤولة والتأكد هل هو صحيح أم لا؟
* بصراحة سيد عصمت.. ألا تشعر أنك بالغت في الرقم بصورة تجعلك في حاجة ربما للاعتذار أو التوضيح؟
– لست في حاجة أصلاً للاعتذار، وهذا الموضوع عما قريب ستكون فيه تفاصيل أكثر.
*بعض المراقبين الاقتصاديين قالوا إن ميزانية ماليزيا نفسها هذا العام لا تتجاوز الـ (75) مليار دولار، كيف ذلك وفي خزائنهم من محاسيب الإنقاذ فقط (64) مليار دولار؟
– هذا كلام فطير وليس من العلم في شيء، فليس هنالك علاقة ما بين موازنة الدولة وودائع البنوك أصلاً، ومن يردد مثل هذا الكلام لا يعلم شيئاً عن الاقتصاد ولا يعلم شيئاً عن موازنة الدولة وعن ودائع المصارف. فهناك تريليونات من الدولارات في بنوك سويسرا وميزانيتها عادية.
*إذا كان رقم الـ (64) ملياراً صحيح.. فما هو مصدره؟
– أنت صحفي كيف تسألني عن المصادر، فهل هناك شخص يسألك عن مصادرك؟!
* ما قصدته مصدر الأموال وليست مصادرك الخاصة.. فهل هناك إمكانية لتوفر مثل هذا المبلغ في السودان؟
– كيف لا يتوفر؟!!
يا أخي عائدات الذهب من أرياب (30) سنة لم تظهر وكمياتها غير معروفة، لكن عندما تكون هنالك شركة تعمل وتستثمر كل هذه المدة فلا بد أن هنالك جدوى اقتصادية لاستثماراتها، ونحن نريد حكومتنا هذه أن تبدأ لنا بأرياب..
*ماهي مشكلتك مع أرياب تحديداً فقد أشرت إليها أكثر من مرة؟
– يا عزيزي أرياب هذه ظلت منطقة مظلمة لا يستطيع إنسان أن يقترب منها، والشعب السوداني لا يدري ولا يعلم ماذا يجري في هذه الشركة. وهنالك حديث -أنا غير متأكد منه – بأن هنالك أطنان من الذهب تصدرها هذه الشركة دون أن يكون للسودان فيها أي نصيب.
* طيب مقارنة بحجم الموازنة في السودان فقط، ألا ترى أن هنالك مبالغة في المبلغ المذكور؟
– يا أخوانا ماهو المانع إن حكومتنا هذه – وهي حكومة الشعب السوداني التي ندعمها ونؤيدها- تكلف جهة رفيعة المستوى لمتابعة مثل هذه الأموال المنهوبة، فما الذي يمنع من أن نسافر لدول كثيرة جداً توجد معلومات عن أموال مودعة فيها سواء أكانت أصول ثابتة أو سائلة أو أسهم؟
*لا خلاف حول فكرة البحث عن الأموال المنهوبة حسبما أشار وزير المالية نفسه، ولكن الخلاف في حجمها والرقم الكبير الذي أدليت به؟
– ياخي الرقم غير مهم أصلاً، وأنت عليك أن تبحث وتجري وراء هذه الأموال كيما تستعيدها، وكما يقولون (المال تلتو ولا كتلتو) وأنا لا أتصور أن تعود كل هذه الأموال المنهوبة قريباً. لكن الجدية في البحث والسعي لاستعادتها مسألة مهمة، فلماذا هذا الموضوع الآن شبه مسكوت عنه.
*ربما أضر بهذا الموضوع تصريحك وأنت الموظف في بنك السودان عن الـ (64) مليار دولار، وهو ما قد يجعل الكثيرين يرون أن هذا الأمر غير جاد؟
– أولاً الأموال المنهوبة هذه ليست لها علاقة إطلاقاً بالبنك المركزي حتى يربطها بعض الناس بوضعي الوظيفي داخل البنك. فهذه الأموال تم نهبها أًصلاً خارج النظام المصرفي.
* أنت أدليت برقم الـ (64) مليار في منبر سونا وكان معك شباب منظمة زيرو فساد التي اتهِم بعض قادتها بالفساد.. فما هي علاقتك بهذه المنظمة؟
– أنا ليست لدى معها أية علاقة ولم ألتقها إلا يوم ذاك، وأسمع عن هذه الاتهامات في الميديا.
* طالما كنتم تتحدثون عن الشفافية سيد عصمت، هل حققتم في الاتهامات التي أثارها البعض بتلقي قيادات من الحرية والتغيير لأموال من الخارج؟
تساءل باستغراب: (الحرية والتغيير تلقت أموالاً من الخارج)؟!!.
وأردف: هذا اتهام غريب، ولو حدث سيكون كارثة. طيب الذي يردد مثل هذه الاتهامات لماذا لا تطالبونه بالمستندات؟
* دعنا ننتقل إلى محور آخر أحدث جدلاً مماثلاً لتصريح الـ (64) مليار، وأثار سخط كثيرين وهو دخولك للبنك السوداني المصري للمشاركة في فعالية نقابية أثناء ساعات العمل الرسمية كما هو واضح من الفيديو المتداول لك؟
– مستنكر من القليلين وليس الكثيرين. وأنا حقيقة استغربت لوجود فيديو ولا أدري من الذي صوره. وعادة أنا لا أصطحب أي إعلامي في تحرك من تحركاتي رغم هذا الرواج الكبير حول أنشطتي فلا يصاحبني أي إعلامي في هذه الأنشطة وهذه الحقيقة لا بد أن تكون واضحة لأن بعض الناس أصبحوا يرددون أنني أجري وراء الإعلام وهذه مسألة غير حقيقية. لكن الذي أود أن أقوله إننا لأكثر من (30) سنة غاب عن حياتنا النشاط النقابي، وهذا الاتحاد الذي يدعي أنه اتحاد عام لنقابات عمال السودان لا يمثل إلا نفسه والشخوص الذين يتحركون باسمه. فأهم شيء في العمل النقابي هو العملية الديمقراطية فلكل حزبه لكن النقابات للجميع، ولذلك هي قائمة على الديمقراطية الداخلية..
*عفواً للمقاطعة، لكن هذا غير مختلف عليه، الخلاف الآن حول الوقت والطريقة التي دخلت بها للبنك للمشاركة في فعالية لجسم يرى البعض أنه غير شرعي؟
– لجان التسيير داخل المصارف، خصوصاً المصارف التي لم يكن فيها صراع نقابي خلال الأيام الماضية هي تمثل العاملين ومن حقها أن تجتمع وأن تحتج.
* وهل تمارس هذا الحق أثناء الدوام؟
– أصلاً حتى الإضراب يكون خلال ساعات العمل..
* لكن مافعلته أنت كانت مخاطبة ولم يكن إضراباً فيما يبدو؟
– أولاً أنا أتيت البنك بدعوة رسمية من لجنة التسيير، وفي زمن غير الزمن المفتوحة فيه الأبواب للجمهور إطلاقاً..
*متى جئت تحديداً؟
– بعد الساعة الثانية ظهراً.
* ولماذا لم تدخل البنك عبر أبوابه؟
– دخلت عبر الأبواب.
*ولكن لم تستأذن المدير للمشاركة في ذلك النشاط؟
– أنا لا أستأذن المدير أصلاً، فهنالك لجنة تسيير موجودة في البنك هي من ترتب مثل هذه اللقاءات.
* وهل تقبل أن يتم ذلك في بنك السودان، حيث مقر عملك، أن يدخل أحدهم بدون استئذان؟
– أنا كنقابة في بنك السودان من حقي أدعو. وإذا الناس في البنوك والمؤسسات تستقبل الحالات الخاصة للونسة واللهو واللعب يستكثرون على الموظفين أن يعقدوا اجتماعاً ويستدعوا له شخصاً بعد ساعات العمل الرسمية بالبنك لكي يتشاوروا في أمر تشكيل نقابتهم؟!.
* مهما كانت المبررات ألا ترى أن دخول شخص بتلك الطريقة في بنك خاص ويحمل اسم دولة أخرى يمكن أن يكون له ظلال سالبة على مناخ الاستثمار في البلاد؟
– يا عزيزي أية مؤسسة موجودة داخل السودان سواء أكانت أجنبية أو غير أجنبية فإنها تخضع للقوانين السودانية. ومن حق العاملين داخل أي بنك ولو كان رأس ماله أجنبياً بنسبة (100%) تكوين جسم نقابي، وهذه مسألة يجب أن تكون معلومة ومفهومة، هذه واحدة، وثانياً المدير كان لا يعلم وكان يقول إن هذا بنك خاص ويعتقد إن النقابات يفترض أن تكون في البنوك الحكومية وهذا غير صحيح، لأن النقابات في تاريخها القديم قامت أصلاً ضد الخاص.
* ألا ترى أن وضعك كموظف يحتم عليك الالتزام بالقوانين وليس دخول البنوك الأخرى مزهواً كزعيم سياسي؟
– أنا لم أدخل كسياسي ولا كموظف أحمل عصا الإشراف والرقابة، أنا دخلت باعتباري رجل سوداني نقابي وعضو نقابة ولدي مسؤولة تجاه البلد وتجاه مؤسساتها، وأتيت بدعوة رسمية من العاملين داخل البنك السوداني المصري وعدد كبير من البنوك حضرت بدعوة من لجنة التسيير، وأتيت بعد ساعات العمل وقفل الأبواب أمام الجمهور، وما حدث كان سوء فهم كنا نتوقعه، لأن المسألة تحتاج لتفهم كبير.
بالمناسبة الفيديو الذي تم تداوله كان مبتوراً، لأنه بعد ذلك اللقاء العاصف تفهم المدير موقفنا ووعد بتيسير كل السبل للجنة التسيير من أجل أن تقوم بمهامها داخل البنك السوداني المصري، واستضافني في مكتبه وجلسنا جلسة ود استمرت لأكثر من ساعة، وودعني إلى خارج البنك.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.