بعد خلعهم من السُّلطة.. كيزان في مرمى النيران!!

الخرطوم: اليسع أحمد

منذ مطلع العام 2018م، ضربت البلاد موجة من الأزمات تمثلت في نُدرة الوقود الذي ألقى بظلالهِ على أهم قطاعين هما الزراعة والمواصلات، ليلحق به شُح في الدقيق والغاز، وبعدها تحجيم السيولة بالبنوك، والتي تلته عدد من الإجراءات الاقتصادية للمُعالجة، لكنها باءت بالفشل وتفاقمت تِلك الأزمات حتى طفح الكيل، وخَرَجَت في ديسمبر الماضي الحُشود مُطالبة برحيل النظام وهذا ما تحقَّق بالفعل في أبريل الماضي.. لكن ما حيَّر العالمين أنَّ الأزمات التي أطاحت بالنظام السابق مازالت تتسيّد الموقف، وبينما كان المُنتمون للنظام السابق يرجعون أسباب كل أزمة تحل بهم إلى (الابتلاءات) التي تُصيب (المؤمنين).. نجد أنّ الحكومة الجديدة متمثلة في قِوى الحُرية والتّغيير، أشارت بأصابع الاِتّهام في جُل الأزمات إلى عناصر من النظام البائد.. (السوداني) استنطقت الطرفين وزادت عليهم بخُبراء في العلوم السياسية والاقتصاد، وخرجت بالحصيلة التالية:-

تربُّص بالثورة!!
قبل إعلان مجلس السيادة ومجلس الوزراء؛ بل عندما كان المُكوِّنان العسكري والحُرية والتّغيير، في قمِّة خلافاتهما، سُئل الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري (آنذاك) شمس الدين كباشي في أحد مُؤتمراته الصحفية الشهيرة عن أيلولة الأوضاع على ما هي عليه وكأنَّ التغيير لم يكُن، هل سبب ذلك أن ثمَّة دولة عميقة (تتربَّصُ) بالثورة؟ فأجاب الرجُل: نعم هُنالك دَولة عَميقة تَعمل بشكلٍ فعَّالٍ، واستدلَّ بأنّهم يُرسلون مُجرَّد خطاب لجهةٍ ما، ويتوقَّعون وصوله خلال ساعة واحدة على أكثر تقديرٍ؛ لكن الذي يحدث حقيقةً أنّ الخطاب يصل في يومين!!
ومضى الكباشي في ضرب الأمثال، حيث قال إنَّ قطوعات التيار الكهربائي (وقتذاك) والتي جأر بشكواها كل الناس كبيرهم وصغيرهم، مؤكّداً عدم وُجُود أيِّ سَببٍ يجعل التيار الكهربائي يقطع بهذه الساعات الطويلة يومياً.. وشَدّدَ على وُجُود الدولة العَميقة.. مُؤكِّداً أنّه إذا لم يتكاتف المُكوِّنان العسكري والمدني سَتَظل تعمل بلا هوادة!!
الآن تدخل البلاد في شهرها السادس مع (العهد الجديد)، لكن وتيرة الشكاوى ظلّت تَرتفع مع مُرور كل يومٍ جديدٍ.. حتى متى؟ العلم عند الله تعالى.
تسويق سياسي
د. ربيع عبد العاطي، أحد قيادات المؤتمر الوطني المعروفة قال لـ(السوداني)، إنّ ما يقال عن أنّ المؤتمر الوطني وراء هذه الأزمات، حديث عارِ عن الصحة، مشيراً إلى أنّ هذه الأزمات هي التي حرَّكت الشارع وتحوّلت إلى أزمةٍ سياسيةٍ أدّت إلى تغيير النظام السابق، مُوضِّحاً أنّ المشكلة اقتصادية بحتة وتحتاج لمُعالجة عبر مُؤسّسات وعلاقات دولية، أولها رفع العُقُوبات عن السودان وحذف اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مُنوِّهاً إلى أنّ الأزمة مُتجذِّرة نسبةً لشُح الموارد بالبلاد، وتناقص إنتاج البترول، وانتشار التهريب في الثروة الحيوانية والذهب بسبب اتّساع رقعة البلاد وكثرة المنافذ، وقال إنّ التهريب لم يسلَّم منهُ البترول الذي تَستورده الدولة يُهرَّب لدول مُجاورة، مُطالباً الحكومة الجديدة بعدم الالتفات للمُبرِّرات الواهية بالاِتّهامات والتّسويق السياسي للمُشكلة، مُبيِّناً أنّ تلك الأزمات التي قادت للتغيير ومازالت بعد التغيير مُسيطرة على مَعيشة المُواطن، دَاعِيَاً الحكومة الجديدة بالتّعامُل مع الأزمات بواقعيةٍ ومقدِّرةٍ على الخُرُوج منها ووجود بدائل سَريعة لتدارُكها وعليها تَشخيص المَرض تَشخيصاً سَليماً حَتّى يَسهل علاجهِ، جازماً أنّ العلاج لهذه الأزمات ليس سهلاً بتغيير النظام فقط وانفراجها بين (يوم وليلة)، بل عليها السعي الجاد وراء المُعالجات الآنية وهي إيقاف التهريب، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب دعم الإنتاج وزيادة الصادرات وبذل جُهُود مُقدّرة تقفز وترفع بعجلة الإنتاج، مُنوِّهاً إلى أنّ الحكومة لا بُدّ أن تكون قَوية وقَادرة على حَل المشكلات دُون الالتفات للشائعات، ودُون ذلك تظل المشكلات قائمة إذا لم يتم الانتباه واليقظة الفورية لاستئصالها.
دولة خفية
وجدي صالح المتحدث باسم قِوى الحُرية والتّغيير يُؤكِّد لـ(السوداني) أنهُ لا تُوجد دولة عميقة، بل هي دولة خفية تعمل خارج المُؤسّسات، تحاول إعاقة وعرقلة برنامج الثورة، مُشيراً إلى أنّ السودان لم يَرتقِ بعد لمُستوى دولة المُؤسّسات لكي نطلق على النظام السابق دولة عميقة، مُنوِّهاً إلى وجود بقايا نظام وقِوى ظلام تُحاول إعاقة طريق الثورة وخلق الأزمات، مُبيِّناً أنّ هذا ليس السبب الوحيد لتواجُد الأزمات، بل هنالك تقصيرٌ من الجهاز التنفيذي للدولة الجديدة، مُطالباً الوزراء الجُدد بأن يزيلوا هذه القوة التي تُعيق برنامج الثورة من السُّلطة بدلاً من تصريحاتهم، بأنّ بقايا نظام تُسيطر على مفاصل عملهم، مُوضِّحاً أنّهُ من غير المقبول بأن يتحدّث وزراء عن دولة عميقة وهم من يجب عليهم اتّخاذ القرار بإبعادهم، مُشدِّداً على أنّ الثورة قادرة لحماية نفسها وكيفية مُحافظتها على السلطة، كما لها المقدرة عَلَى اِجتثاث النظام السابق من تلك المُؤسّسات، لافتاً إلى أنّ قِوى الحُرية والتّغيير هي حاضنة سياسية لها جهازٌ تنفيذيٌّ المُناط به اتخاذ القرارات وإزالة المعوقات التي تَحُول دُون تحقيق أهداف الثورة، مُتسائلاً: كيف لوزير يتحدّث عن بقايا نظام بوزارته التي يترأسها ووكيلها ومديرها العام وأمينها العام ينتمون للنظام البائد؟ ناصحاً الوزراء باتّخاذ القرارات الداخلية بوزاراتهم أولاً ونظافتها من تلك البقايا قبل الحديث عن المُعوقات الخارجية التي تتربّص وتعمل على تخريب وتدمير البلاد!!
تشبث إداري
ويقول الخبير الاقتصادي د. حسن بشير لـ(السوداني)، إنّ الأسباب الحقيقيّة للأزمَات تَرجع إلى التّشبُّث الإداري في مَفاصل الدولة للحكم السابق، مُرجِّحاً أنّ الحكومة الجديدة لم تَتَمَكّن من وضع يدها على الإمدادات والتوزيع في السلع التي لم تتوفّر منذ قيام الثورة إلى يومنا هذا، مُشيراً إلى أنّ في السَّابق تتم مُرافقة أمنية للوقود حَتّى وُصُوله للطلمبات، وكذلك تتم رقابة أمنية مُشدَّدة لتوزيع الدقيق، مُؤكِّداً أنّ ما يحدث اليوم من فوضى وتَلاعُب في احتياجات المواطن يظهر مَدَى الفَـراغ العَـريض في الحكومَـة، مُنوِّهاً إلى أنّ قطاع المُواصَـلات يمثل أُس البلاء بحيث تَرتفع قيمتها إلى (4) أضعاف دُون أن تَرمش لهم جفنٌ، داعياً الحكومة الجديدة للنزول إلى أرض الواقع ومُتابعة عملها بكل المرافق والتّعامُل بحسمٍ دُون تراخٍِ، وتَشكيل طَاقم إداري يعمل بِهِمّةٍ ونشاطٍ وصدقٍ في توزيع السلع والإمداد للسلع الاستراتيجية المُتعلِّقة بالشأن العام، كما عليها تفعيل السُّلطة التنفيذية والقيام بواجبها التوعوي، والوقوف على الخلل واختراع العلاج الفوري، مُوضِّحاً أنّ الشعب هو المُكتوي الأوَّل بالسِّياسات الاقتصادية، لذلك إذا لم يتم تَدارُكها بجديةٍ رُبَّما ينتفض مَرّةً أُخرى على الحكومة الجديدة، إذا لم يَرَ فيها مشروع تنفيذ مَطالبهِ التي خرج من أجلها، لافتاً إلى أنّ ما يُريده الشعب هو مُمارسة الشرعية الثورية، لذلك لا يتحمّل التراخي والتباطؤ في توفير احتياجاتهِ.
خلل منهجي
ويُؤكِّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية راشد محمد علي الشيخ لـ(السوداني)، أنّ الأزمات بالسُّودان تَزامنت مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وأن السودان جُزءٌ منها، مُشيراً إلى أنّ التّغيير الذي طَـرَأ على نَظَـام الحكـم بالبلاد لم يشمل عملية (الحوكمة الإدارية) والاقتصادية للأنظمة، كَاشفاً أنّ السّبب الأول والمُباشر لهذه الأزمَـات بأنّه لا تزال المفاهيم والعُقُول الإدارية القديمة تُسيطر على الموقف من إدارة، توزيع، ورقابة للسلع الضرورية والاستهلاكية، وهذا يُسمّى الخلل المنهجي، مُنوِّهاً إلى أنّ تلك الأزمات قابلةٌ للصِّراع لأنّها تُعتبر سِلعاً استراتيجيّة، لافتاً إلى أنّ شكاوى بعض الوزراء من وجود عراقيل لإعاقة عَملهم يدُل على أن النظام الجديد لم يتسلّم مفاصل الدولة، ومازالت السيطرة تؤول للنظام السَّابق عبر جانب خفي وإدخال السلع في سُوق النُّدرة، وقال إنّ بعض المُتلاعبين بالسلع لا ينتمون للأنظمة السابقة والحالية، بل هم فئة تتصارع وقابليتها ظُهُور الأزمات، مُوضِّحاً أنّ هذه الأزمات ارتبط بالحكومتين، مُطالباً الحكومة الجديدة بإغلاق منافذ الفساد المالي والإداري حتى يتعافى الاقتصاد ويعبر المُواطن مرحلة الأزمات إلى رحاب الوفرة.
ورداً على سؤالنا عن وجود دولة عميقة؟ قال: لا يُمكن وجود دولة عميقة بالاشتراطات الحزبية لتكسب تَعَاطُف الشارع بعودتها مَرّةً أخرى عبر خلق الأزمات، ولكن يُمكن وجودها بضرورة مجموعات المصالح التي تُؤثِّر سلباً على مصالح المُواطنين واستقرار الحكومة الجديدة، مُبيِّناً أنّ الأزمات الآن لا ننكر وجودها لكنها لا يَستغرق وجودها سوى أيامٍ معدوداتٍ مُقارنةً بالحكم السابق الذي تشهد الأزمة وندرة السلعة عدة أشهر، مُستصحباً أنّ المُواطن تظاهر لأجل توفير السلع والسيولة، مُشيراً إلى انفراج وتحسُّن ملحوظ في جانب توافر السيولة بالبنوك.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.