المواصلات.. بين (هيمنة) الطرَّاحين وتزوير النقابة!!

تحقيق: معاذ جوهر

ينما كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة من مساء يوم الأربعاء الماضي، كنت برفقة صديق في انتظار حل لـ(فزُّورة) المواصلات، وقد كان الحال يُغني تماماً عن السؤال بموقف بحري حيث نقف نحن ضمن (كُتَل بشرية) تركض خلف الحافلات – على قلَّتها – وعندما يعودون بخُفَّي حُنين بعد أن يصدهم (الكمساري) بعبارة (ما راجعين) تجد منهم المواطنين خصوصاً النساء وكبار السن؛ من جلس على (تلوتوار) الشارع ومنهم من يغادر الموقف راجلاً، لعلَّ وعسى يجد له (ابن حلال)؛ فما أكثر الحاجة الآن لفضل الظهر..!!

سائق يُشهر مُسدسه للرُكَّاب!!
الموقف الذي ينبغي أن ننطلق منه بل أن نتوقَّف فيه كثيراً، هو أن أحد سائقي الحافلات بموقف بحري عندما طالبه الركاب الواقفون على أرجلهم من قبل مغيب الشمس وحتى ساعة هذه المُشاهدات (السابعة مساءً) بترحيلهم ولم يُبدِ أي تجاوب معهم رغم توسُّلات كبار السن والنساء، فالرجُل رفض رفضاً باتاً الرجوع عن قراره، هنا علا معه صوت بعض الشباب الذين يسعون لتنظيم الموقف ومساعدة المواطنين في الركوب، فبدأ مسلسل المشادات الكلامية بين (الشباب وسائق الحافلة)، فإذا بالسائق يخرج من تحت قميصه سلاحاً نارياً؛ نعم سلاحاً نارياً (مُسدس) من تحت قميصه، وخاطب الجميع حول (حافلته): “مافي زول يهبش العربية دي عشان ما نقوم نتلوَّم معاهو”.

فوضى التعرفة وغياب الدولة
(السوداني) تحدَّثت مع عدد من المواطنين بالموقف، فأجمعوا على أنهم رضوا (مُرغمين) بزيادة تعرفة المواصلات المفروضة عليهم بواسطة الكمسنجية وعمال الطرحة التابعين لنقابة الحافلات الذين يتحكمون في زيادة تعريفة المواصلات حتى يزداد نصيبهم من الفردة الواحدة من ثلاثة جنيهات إلى خمسة جنيهات للحافلات الكبيرة، عشرة جنيهات وأحياناً عشرين جنيهاً للحافلات الصغيرة. ويقول الطيب محمد حسين – المحامي – لـ(السوداني) إن المواطن الغلبان هو الذي يدفع فاتورة هذه الزيادة دون رقابة من الدولة ممثلة في أجهزتها الرسمية (الإدارة العامة للنقل والمواصلات) والجسم الأهلي (النقابة) حيث ارتفع سعر تعريفة خط (بحري – صابرين بالشنقيطي) من ثلاثة جنيهات إلى خمسة جنيهات ومن خمسة جنيهات إلى عشرة جنيهات، بينما وصلت تعرفة الهايس منها إلى عشرين جنيهاً في الصباح وفي المساء إلى ثلاثين جنيهاً. ويتفق عدد من المواطنين مع الطيب حسين حين يؤكدون أن زيادة التعرفة لا يوجد مبرر لها، بل هي استغلال من قبل السائقين للمواطنين لا سيما في أوقات الذروة، حيث ترتفع التعرفة بشكل عشوائي جداً وعلى حسب مزاج كل سائق.

بصات الوالي.. (جابوها فزعة بقت وجعة)!!
في عهد الوالي الأسبق د. عبد الرحمن الخضر وصلت الخرطوم أعداد كبيرة جداً من البصات، وقتها تمَّت (خديعة) أصحاب الحافلات بأنه يمكنهم بيع حافلاتهم واستبدالها بهذه البصات عبر شركة (البريمت) تفاءل أصحاب الحافلات بالخير الوفير الذي ستدره عليهم هذه البصات ذات السعة الكبيرة فباعوا حافلاتهم بأبخس الأثمان للحاق بدفع مقدم البصات. وكونت الهيئة الفرعية لنقابة الحافلات شركة البريمت للنقل من مساهمات أعضاء النقابة وهم سائقو الحافلات السابقون الذين باعوا حافلاتهم ومنحت حكومة الولاية شركة البريمت بصات على دفعات ملكتها لسائقي الحافلات وعليها أقساط يومية 250 جنيهاً وشهرياً 6 آلاف جنيه. ففرح السائقون كما فرح المواطن بقدوم تلك البصات على أمل أن تنتهي مشكلة المواصلات المتكررة يومياً بالولاية، لكن مع مرور الأيام ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بصات الوالي عوضاً عن حل أزمة المواصلات أصبحت هي جزء من المشكلة لأنه بسببها تقلَّص عدد الحافلات وفي ذات الوقت تحوِّلت هذه البصات إلى نفايات حيث تتكدَّس بالحيشان والمناطق الصناعية في شكل (خُردة).

أموال الطرحة
تجاوزات نقابة الحافلات ظهرت جلياً في التحصيل المستمر لرسوم الطرحة من سائقي الحافلات بمواقف مواصلات ولاية الخرطوم والتي تقدر ما بين 24 إلى 26 ألف جنيه (مليون بالقديم) في الشهر، تجمع بواسطة متحصلين يتبعون للهيئة الفرعية لنقابة الحافلات. وقال سائق – فضل حجب اسمه – إن هذه النقابة ليس لها قواعد ولا عضوية محددة مقيدة بكشوفات أو محصورة ببطاقات عضوية بل توجد مكاتب تنفيذية فقط في محليات ولاية الخرطوم السبع فلا توجد عضوية بل يوجد تحصيل أموال مجهولة أوجه الصرف ولا يراجعها أي مراجع عام تتصرف فيها الهيئة الفرعية لنقابة الحافلات بلا رقيب.
ويقول علاء محمد السيد سكران، الأمين العام لوحدة بحري التابعة لاتحاد أصحاب العمل بولاية الخرطوم إنه وبمعية زملاء له بالوحدة قاموا بتدوين سبعة بلاغات ضد النقابة والمتحصلين؛ لدى نيابة الخرطوم شمال، في مبلغ خمسة ملايين جنيه تم إثباتها بواسطة المراجع القانوني والمتحصلة كرسوم طرحة من مواقف جبل أولياء والمحليات الأخرى. وبسبب تعطيل هذه البلاغات استفادت النقابة من القرارات المتضاربة الصادرة من النيابة الجنائية في التكييف القانوني لبلاغات التحصيل من مواقف المواصلات هل هي تندرج تحت المادة 102 من القانون الجنائي المتعلقة بالامتناع عن تنفيذ أمر موظف عام؟ أم هي تحريات أولية؟ أم ثراء حرام؟ وكثيراً ما رفضت النيابة فتح بلاغات في مواجهة الهيئة النقابية لمخالفتها قرارات رئاسة الجمهورية وتحصيل أموال بطريقة غير مشروعة بحجة عدم التكييف القانوني للوقائع، واستفادت النقابة من هذا الوضع وواصلت التحصيل المالي من المواقف، وأخيراً تم تكليف المستشار القانوني نصر الدين أبو شيبة بفتح بلاغات للجهات المخالفة لقرارات رئاسة الجمهورية في أمر التحصيل غير القانوني وفتحت عدة بلاغات في مواجهة المتحصلين التابعين للهيئة الفرعية لنقابة الحافلات ولم يحاكم أي منهم على الرغم من أنهم تابعون للهيئة ولم تفتح بلاغات ضد الهيئة التي تسعى للتحصيل فقط ولا تهتم بأمر الرقابة. ويؤكد السكران أن هذا التحصيل غير القانوني ساهم في ازدياد التعرفة في خطوط أصلاً غير مصدق بها، كما تسبب في تقطيع خطوط المواصلات بحيث يتحوَّل الخط الواحد إلى خطين وثلاثة وأكثر في بعض الأحيان.

إدارة النقل تتبرَّأ..!!
ويقول صلاح محمد عبد الله مدير الإدارة العامة للنقل والمواصلات لـ(السوداني) إن التعرفة الجديدة تحتاج للدراسة مع العلم أن هناك تعرفة أمام مكتب الوالي، مشيراً إلى أنها غير مجزية لأنها منذ عهد الوالي الأسبق في النظام البائد عبد الرحيم محمد حسين. وأعلن عن تكوين لجنة متخصصة فيها كل الجهات المرتبطة بالتعرفة لدراسة هذا الأمر. وشدد على معاقبة أي سائق يزيد في التعرفة الرسمية بمحاسبته أمام القضاء. وفي ذات السياق، أقر صلاح بأن النقابة هي من تعيين الطراح بعد موافقتنا عليها وفق شروط موضوعة. وبسؤالنا له عن التحصيل عبر الطراحين نفى مدير الإدارة العامة للنقل والمواصلات نفياً قاطعاً علمهم بأمر التحصيل، مؤكداً أن ذلك تابع للنقابة وهي جسم أهلي مع العلم أن المجلس التشريعي لا يصدر قانون لجسم أهلي، وأضاف: معلوم لدينا أن النظام الأساسي المنظِّم لعمل النقابة به فقرة تجوِّز استلام مبلغ قيمة راكب واحد تكون من نصيب النقابة وتمت تسميتها بالاشتراكات.
ومضى صلاح بقوله: معلوم لدينا أن مولانا بابكر قشي أوقف هذا التحصيل لأنه غير قانوني وغير مجاز برسم من المجلس التشريعي. ووعد صلاح بإجراءات مشددة داخل المواقف ومحاسبة المخالفين بإجراءات قانونية وإدارية، كما سيتم تشكيل غرف داخل المحليات ومهمتها المتابعة داخل المواقف من تجزئة الخطوط وغيرها من المخالفات. وناشد صلاح المواطنين التلبيغ لمكاتب إدارة النقل العام والبترول بالمحليات ضد أي سائق مركبة يجزِّئ خط مواصلات أو يزيد تعرفة.

مُسجِّل تظيمات العمل
كل المشاكل المتعلقة بأزمة المواصلات يرجعها كثيرون إلى النقابة العامة للنقل المواصلات والطيران، ما جعل (السوداني) تنقِّب في هذا الملف حيث ذهبت إلى مسجل عام تنظيمات العمل مولانا عوض جعفر وسألته عن النظام الأساسي الذي ينظم هذا القطاع، وما دفعني لهذا السؤال هو وجود نظامين الآن..! فكانت الإجابة بأن النظام الأساسي المعمول به هو الصادر في العام 2010م، أما النظام الأساسي للعام 2016 فلا وجود له إطلاقاً ولا علم لهم به (كمجلس).

تضارب قانونَين!!
المُحيِّر في الأمر أن النظام الأساسي للعام 2016م والذي تمتلك (السوداني) نسخة منه، مختوم بختم مسجل عام تنظيمات العمل وزارة العدل. في حين أن النظام الأساسي لعام 2010م توجد به المادة 17 والتي تشير إلى أن مالية النقابة حسب الفقرة (أ) تتكون من: الاشتراك الشهري والذي يدفعه الأعضاء بواقع 5 جنيهات ويتم تحصيله بواسطة الهيئات النقابية والهيئات الفرعية والوحدات النقابية حسب الحال والكيفية التي يحددها المكتب التنفيذي، لكن الحاصل حالياً هو أن النقابة لا تكتفي بهذه الجنيهات الخمسة بل تلزم صاحب المركبة بقيمة راكب والتي تكون أحيانا (20) جنيها في حالة الحافلات الصغيرة وقت الذروة.

النقابة تترافع
خُلاصة ما خرجنا به من الإفادات الواردة عالية، أن الجزء الأكبر من أزمة المواصلات التي ضربت ولاية الخرطوم مؤخرا تتحمَّله نقابة الحافلات، ولذا كان من الضرورة أن نستمع لها اتصلنا برئيس النقابة الفرعية للمواصلات، لكن لم يرد علينا في جميع المرات، ومن ثم توجهنا بعده إلى نائب رئيس النقابة العامة للنقل والمواصلات عز الدين الحسين فقال لـ(السوداني) إن نقابتهم نفسها تضرَّرت من ظاهرة تقسيم الخطوط وزيادة التعرفة. وبسؤالنا له عن الاتهام المُوجَّه لهم حول تجاوزات (الطراحين) قال إنهم كنقابة ليس لديهم الحق في تحديد تعرفة المواصلات، مؤكداً أن ما يقوم به بعض (الطرَّاحين) هو “تحايل على القانون وحرام عليهم الكلام ده”.
وبسؤالنا له عن النظام الأساسي المعترف والذي تعمل به النقابة فأجاب بأن النظام الأساسي هو 2010م أما عن نظام 2016م لم تتم إجازته من المؤتمر العام، فتمت تشكيل لجنة من قِبل المؤتمر للجلوس مع المكتب التنفيذي لإجازته، أضاف: “لكن بقدرة قادر جانا مختوم بختم مسجل عام تنظيمات العمل وزارة العدل”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.