بدون ألوان حمدي صلاح الدين

(معلومة معلبة)

شارك الخبر

وردتني عدة رسائل بعد مقالي الأخير (الممطورون داخل المظلة) تسأل عن قصة (الثعلب والعنب) التي وردت في المقال فاعتذرت للسائلين بلطف.
وقبلها وردتني ذات الأسئلة عن رواية (الحرافيش) وعن (ورق البردي) اللتان وردتا في مقالي (كتابة على ورق بردي قديم) فاعتذرت بذات اللطف.
وقبل هذا وذاك وردت أسئلة كثيرة عن (بروتس)، (جينوا اجيبي)، (والتر هيل) و(العجوز و البحر).
في عهد الإنقاذ اختفت (الجمعية الأدبية) و(حصة المكتبة) وهي مناشط كانت تغذي الفكر وتثري الثقافة عند طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية فأصبح الاعتماد على (المعلومة الجاهزة) أو (المعلومة المعلبة) سمة عامة من سمات العصر لا يلام عليها الشباب بقدر ما يقع اللوم على سياسات الإنقاذ التعليمية التي أفرغت العملية التعليمية من إسهام المناشط في تشكيل شخصية طالب المتوسطة والثانوية.
أذكر جيداً أننا جيل تشكل وجدانه على أحاجي الحبوبات وعلى المصادر الحية للمعرفة في ثلاثية (البيت، المدرسة، الشارع). و أسهمت مصادر المعرفة التي تشرف عليها مؤسسات اجتماعية (التلفزيون، الراديو، الصحف، مجلات الصبيان وماجد وسمير وميكي ماوس) في إخراج نسخ مكررة من جيلنا فالسلوك العام كان شبه موحد بسبب (مصادر المعرفة الواحدة) و(طريقة التربية الواحدة) وفي هذا محمدة ومذمة قد نعود لها تفصيلاً يوماً ما.
لست في مقام مقارنة جيلية، إن جاز لي التعبير، لكن للحقيقة فإن جيلنا جيل كان حجر الزاوية في تشكيل ثقافته البيت الكبير. هذا الجيل كان يتحلق حول الحبوبة لتحكي له عن حاجة الغولة، فاطنة السمحة، فاطنة الشينة وميويه أم ركبين وهو يمارس مهارة الاستماع بشراهة وينمي حس هذه المهارة بشغف كبير وهي مهارة مهمة تشكل أرضية لمهارات الإنتاج .
نحن جيل لم يتشكل وجدانه على شبكات التواصل الاجتماعي حيث لا فيس بوك وقتها ولا تويتر ولا انستغرام. كنّا قبل شراب لبن (العشاء) وأداء صلاة (العشاء) وقبل التحلق حول حبوبتنا الحاجة آمنة عليها رحمة الله نتابع (جزيرة الكنز) و(المستر ترلوني) و(جين أيير) و(كيف و أخواتها) لشريف العلمي ومن ثم (جريدة المساء) و (جراب الحاوي) لمحمد سليمان.
كنّا نقرأالكتب من المنتج إلى المستهلك بدون وسيط اسفيري، نقرأ للسباعي وأيس منصور ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمود السعدني وهو ما عزز من مهارات الاستقبال لدى هذا الجيل. وكنا نقف في السينما لنصفر (بالخنصر والسبابة) لإلهام شاهين ونجلاء فتحي وليلي علوي في فعل يعتبره الأحبة اليوم (فعل شيطاني). فلا انستغرام وقتها ولا لايف ستريمينغ ولا سمارت فونس ولا يوتيوب ولا صور لجينيفر لوبيز ولا أنجلينا جولي ولا جوليا روبرتس.
الجيل الحالي افتقد أنشطة الجمعيات الأدبية والروابط والمكتبات بصورة مزعجة وهدامة.
لذلك ومن منطلق إحياء ثقافة الاطلاع ومنذ فترة ومتى ما تيسر أضع خطاً عاماً في مقال ما وبدون تفسير لغرض أن يقوم القارئ (المهتم) بالبحث في كتاب أو في العم قوقل للاستزادة وهذه مدرسة معروفة في الكتابة.
يجب تنمية مهارات الاستقبال (القراءة / الاستماع) حتى تنمو مهارات الإنتاج (الكتابة / الكلام) وهي المهارات الأربع المتعارف عليها عالمياً فبدون قراءة واستماع يكون إنتاجك الكتابي والكلامي فقيراً جداً.
وكتب علماء اللغات مجلدات كبيرة وكثيرة عن مهارات الاستقبال (القراءة/ الاستماع) ومردودها الإيجابي في تطوير الفكر والإدراك و حتى في مناحي الحياة العامة.
لكن كل هذا الفعل يجب أن يكون إيقاعه مضبوطاً بسياسات تعليمية محفزة لتفعيل هذه المهارات وصقلها وجعلها محببة للطلاب حتى يمارسوها بحب حتى خارج إطار الكلاس.
كنت من أكبر الداعمين لتجارب طوعية كثيرة مثل (رسمتي في بسمتي، تعليم بلا حدود، يوم القراءة في الخرطوم) لأنها جميعها كانت تدعو إلى (ممارسة القراءة) كطقس حياتي يومي في وقت كانت الإنقاذ فيه تغلق معاهد تدريب المعلمين و تحظر نشاط الروابط و الجمعيات لتدخل البلاد في دوائر اضمحلال فكري لثلاثين عاماَ.
رسالة إلى بروف محمد الأمين التوم، وزير التربية والتعليم، أعيدوا معاهد تدريب المعلمين، اعيدوا قومية الوظيفة، أعيدوا الجمعيات الأدبية وحصة المكتبة والنشاط المدرسي، اعيدوا السلم التعليمي 3/3/6 اليوم قبل الغد لأن نتائج إصلاح حال التعليم قد نلتمسها بعد عشر سنوات أو يزيد. اعيدوها بلا تأخير.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.