أزمة مكان.. صنايعية يواجهون التشريد!!

تحقيق: محاسن أحمد عبدالله
تصوير: نزار عباس

على امتداد البصر تجدهم هنا وهناك صغار يافعين، شباب في مقتبل العمر وكبارٌ تقدَّم بهم العُمُر، يستظلون تحت أشجار (حوش كبير) قالوا انه ملك للحكومة، تراصت السيارات بأنواع وموديلات مختلفة في مكان فسيح يقع من الجهة الشرقية محازيا المنطقة الصناعية الخرطوم وقد تم تسويره من كل الاتجاهات بـ(الزنك)، المكان عبارة عن (جملونات) كبيرة مُشيَّدة منذ عهد الإنجليز –حسبما قال لنا البعض- وعلى أرضها تتمدد قضبان السكة الحديد التي كانت ممرا للقاطرات قديما.

بداية الحكاية..
القاسم المشترك الذي جمعهم بهذا المكان هو البحث عن (لقمة عيش) تقيهم عناء سؤال الناس، يجلسون تحت لهيب الشمس بين أنواع وأشكال من الحديد تجعل درجة الحرارة أقرب إلى لهيب الشمس، من بينهم من يعول اسرته الكبيرة أو الصغيرة لتوفير قائمة طويلة من المطلوبات منها الأكل والشرب والعلاج والتعليم والإيجار والكثير من متطلبات الحياة الأخرى، هكذا رسموا طريق حياتهم لتمضي بهم الحياة لمستقر لعل وعسى تتحقق معه أحلامهم وامنياتهم. وبينما هُم في هذا الموَّال اللاهب تفاجأوا وبلا سابق إنذار انهم أصبحوا بين عشيةً وضحاها مشردين في العراء بإغلاق باب مصدر رزقهم اليومي الذي منه يتشبَّثون بالحياة وذلك بعد ان أتى اليهم شخص يخبرهم باسم آخر (صاحب مصانع وشركات) انه قام بشراء تلك المساحة وأنها آلت اليه، وأخبرهم بأنهم سيبقون متواجدين بهذا المكان لممارسة عملهم اليومي، لم يرفضوا حديث الرجل بل باركوا له ثم كان سؤالهم حاضرا (ممن اشترى ذلك الشخص المكان وطيلة تلك الفترة ما يفوق الثلاثين عاما لم يظهر مالك هذه الأرض؟)، لم تكن هناك اجابة شافية لسؤالهم المشروع باعتبارهم متواجدين في هذا المكان منذ سنوات طويلة جدا ولم يظهر لها صاحب، بل كان الرد بان تم تسوير الحوش من كل الاتجاهات وبداخله معدات عملهم وسيارات الزبائن وتركهم لأشهر في العراء وإغلاق الباب بالضبة والمفتاح بل وفتح بلاغات في مواجهتهم عملا بمقولة (ضربني وبكى.. وسبقني اشتكى).

حال يغني عن السؤال:
لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع قمنا بزيارة للمكان بعد مناشدة منهم لإيجاد حل لمشكلتهم التي طافوا بها على أهل القانون ولم يحسم أمرهم بعد ، التقينا بعدد من المتضررين من الفنيين أصحاب نداء الاستغاثة وكل من يرى أنه متضرر ونقلنا ما ورد من حديث على لسانهم. حيث ابتدر الحديث فني ميكانيكا مكي كوريا قائلا: (المكان ده قعدنا فيهو فترة طويلة جدا تفوق الثلاثين سنة حيث كان عبارة عن قطعة حكومية فاضية ونحن كصناعية ما عندنا مأوى، لقيناها خرابات مليئة بالأوساخ والحشرات فقمنا بنظافتها حتى أصبحت بالشكل الحالي..)
وأضاف: (قبل عيد الأضحى ظهر شخص قال اسمه محمد المنا وذكر انه اشترى الموقع عبر أشخاص.. قلنا له مبروك لك، لكن ماذا عن وضعنا نحن؟ فقال لنا : (ما في مشكلة انتو ما قصَّرتو بتعميركم لهذا المحل.. وانا أيضا لن أقصِّر معكم)..
مكي قال: لكن تفاجأنا يوم وقفة عيد الاضحى الماضي بانهم سوَّروا المحل كاملا بالزنك فاستفسرنا منهم عن الحاصل فقالوا لنا: (ما في مشكلة ح نعمل ليكم باب تدخلوا به)، لنفاجأ للمرة الثانية بأنهم قفلوا الباب بالضبة والمفتاح وكتبوا على الباب انهم المالكون للمحل.. وبعد ذلك أتوا بعسكري أوقفوه أمام الباب وأغلقوا المحل رغم علمهم أن عرباتنا ومعداتنا داخل المحل و لما احتججنا أرهبونا بالبوليس ورفعونا بالعربة. يقول مكي نحن من جانبنا قمنا بفتح بلاغ أوضحنا فيه للشرطة الحاصل كله.. ومنذ يوم الوقفة وحتى الآن لم يصدر أمر قبض ضدهم بالرغم من اننا حددنا المتهم بالاسم وتم اخذ أقوالنا وأقوال الشهود وبلاغنا مكتمل لكن حتى الآن لم يصدر أمر قبض في مواجهته بل بالعكس فُتح أمر قبض في مواجهتنا ثلاث مرات وأدخلونا الحراسات وحتى الآن لم تحل مشكلتنا، وواصل: (أيضا أحضروا لنا أوراق عقد بيع وملكية قاموا بوضعها على الباب رغم اننا غير معنيين بها ولا نحن الجهة القانونية او القضائية، بعدها أتوا الينا ببوليس يحمل كلاشه وضعوه أمام البواب كإرهاب لنا بالرغم من اننا تعاملنا بسلمية، ومنذ شهرين نحن قاعدين في الشارع بعد ما قفل الباب بالضبة والمفتاح. وأضاف: (نحن مع حكومة التغيير وداعمين لها لكن عايزين نعرف البلد دي فيها قانون ولا ما في قانون أساسا والا نحن كصناعية ما عندنا حق في الوطن ده؟)

سرقة وغمر بالمياه:
ويقول إبراهيم عوض ابراهيم (مُعلِّم) ميكانيا سيارات لـ(السوداني): أنا عندي اكثر من 14 شخصا شغالين معاي بصرف عليهم ماسكين أُسر بعد قفلوا المحل قعدنا برا وعرباتنا جوه من بينها عربات كلها دستورية وبعد دخلت المحل وفُقدت منها عربة لاندكروزر قيمتها 80مليونا.. لم استطع مُصارحة صاحبها بانها سُرقت واضطررت لشرائها من حُر مالي وغير ذلك وجدت اشياء كثيرة مفقودة، وبسبب تشريدنا لمدة شهرين تضررنا وتضرر العمال الذين يعملون معنا لأنهم يعولون أسرا، ثم ثانيا نقوم بتدريب الطلاب المهنيين ونستخرج لهم شهاداتهم ورغم أننا نخدم شريحة مهمة في المجتمع لكن حقوقنا ضائعة ، والضرر وصل لدرجة أنهم قاموا بغمر الحوش بالمياه ومنذ أكثر من شهرين أصبح المحل غارقا بالطحالب ما أعاق دخول العمال لممارسة أعمالهم، في النهاية نريد أن نؤكد أننا لا ولن نغادر المكان الا بعد معرفة الجهة التي اشترت الأرض.. ومن ثم نتأكد ونطمئن على توفيق أوضاعنا كحرفيين).

نيران وحريق:
من داخل الحوش تحدث الفني محمد عثمان رزق سوميت الذي اشتعلت النيران في احدى السيارات التي يقوم بإصلاحها قائلا: (بسبب إغلاق المكان كان عندي عربية شغال فيها وموجودة في الداخل فجأة ولعت نار سريع والحوش مقفول وكنا ثلاثة بالداخل سريع اتصلت بالدفاع المدني ولما وصل حام حول الحوش عشان يدخل ما قدر بسبب التسوير الى ان احترقت العربية واتفحمت وحاولت أطفيها بالتراب والماء لحدي ما تأذيت بالنار في أقدامي، رسالتي نحن كحرفيين اتضررنا جدا وعايزين الحهة اللي تنصفنا وترد لينا حقوقنا لأننا بنعول أسرا وأخيرا اضطرينا لدخول الحوش من خلال فتحة).

تهديد بالإضراب:
التقينا من داخل الحوش بالزبون نصرالدين حسن ابراهيم وهو لديه عربة داخل الحوش وتضرر من الإغلاق قائلا: (عندي عربية هنا داخل المحل من قبل العيد بسبب إغلاق المحل وبسبب الشخص الذي ادعى ملكية الأرض تضررت من المسألة دي وحتى اللحظة لم استلم عربيتي لان كل الأبواب كانت مغلقة لان وصول السمكرجي للعربة امر صعب، مبينا (خلال الفترة دي كلها لو صلحت العربية وأجرتها كان العائد حيكون كبير جدا ومجزٍ لكن الآن انا متضرر جدا بسبب الإغلاق الطويل للمحل ولذلك ليس أمامنا سوى الإضراب باعتبارنا شريحة مهمة في المجتمع لولانا ما كانت العربات دي ماشة في الشارع).

الطرف الآخر يترافع:
ولسماع الطرف الآخر في القضية سعت (السوداني) سعياً حثيثاً لمقابلة المشتري ( محمد المنا)، ذهبنا إلى المنطقة الصناعية الخرطوم حيث يملك الرجُل شركة معروفة هناك، حيث قابلنا مُفوَّض (المنا) بمتابعة إجراءات تسجيل القطعة (المتنازع حولها) وهو بدر الدين حميدان فقال: (لقد قمنا بشراء هذه القطعة قبل سبعة أشهر وذهبنا بلغنا الشباب الذي يعملون بداخلها بأننا قمنا بشرائها وفي حاجة لها لذا سنبدأ البناء) ، موضحا (بعضهم تقبل الفكرة وغادر وساعدنا بعضهم في دفع رسوم الإيجارات وبعضهم في الترحيل ، والذين رفضوا الفكرة قالوا لابد من نأتي لهم بشهادة البحث وأتينا لهم بعقد البيع إلا انهم قالوا يريدون لقاء محمد المنا فقلت لهم ماذا يفعل لهم وأنا المفوض بعمل إجراءات الأرض قولوا ما تريدون وسأنقله له إلا انهم رفضوا، هم غير مؤجرين وليس لديهمحق التملك ولا المقاضاة ولم نقل لهم أنهم سيمكثون فيها لأننا اشترينا هذه الأرض للتوسعة فقط وأعطيناهم فرصة لترتيب أوضاعهم ،مبينا (عقد البيع الذي تم بين شركة محمد المنا الذي اشترى القطعة من بنك قطر الإسلامي وهي كانت مرهونة من شخص يدعى صلاح رهن القطعة لبنك قطر الإسلامي بعد ان أخذ منهم أموالا طائلة وغادر خارج السودان ولم يدفع ما عليه من مال فما كان من البنك إلا وقام بمقاضاته لدفع المبلغ وفي نهاية الأمر حكمت المحكمة ببيع الأرض في دلالة فقام بشرائها محمد المنا ، مواصلا (بعدها بدأنا إجراءاتنا بتسوير الأرض لان لدينا انشاءات فيها وحاليا نحن مؤجرين (جملونات) في الخارج ،مختتما (بعدها اتخذنا إجراء قانوني برفع دعوى تعدي وتم تحويلها للمحكمة يوم 4/12 والمحكمة هي من ستفصل في الموضوع).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.